يحاول أن يغمط الحقائق الثابتة حسب ميوله وأهوائهِ ، وهو يزعم أنّ الأُمّة ستتّخذ ما لفّقه أصلاً متّبعاً ، فتمحو الكتب وتلقي الستار على صفحة التاريخ ، وتحذف الأحاديث من مدوّناتها ، وتضرب صفحاً عن غير كتابه ممّا ثبت فيها كلّ ما نفاه هو كما قدّمنا لك ذلك في أبحاثنا هذه. وقصارى القول أنّ العلماء في هذه المسألة فريقان : فقسم سرد تلكم الأحوال سرداً تاريخيّا أو أخرجها إخراج الحديث من غير تعرّض لما لها أو عليها وقد عرفت هؤلاء ، وفريق يعترف بكلّ ما هنالك غير أنّه يعتذر عمّن ارتكب هاتيك الأحوال بأنّها كانت لحفظ أبّهة الخلافة ، وصيانة منصب الشريعة ، وإقامة حرمة الدين (١) وليس أحد من هؤلاء من الشيعة حتى يجعل الآلوسي روايتهم غير معوّل عليها ، وهل من الجائز أن لا يتفطّن أعلام القوم وحفّاظهم في كلّ تلكم القرون الخالية لما جاء به الآلوسي ، وحسبوا أُولئك ما روته الشيعة صحيحاً وجعلوه من مطاعن عثمان المتسالم عليه عندهم ، وجاؤوا ينحتون له الأعذار في تبريره؟ وبعد هذه كلّها فلا عذر للجنة الحاكمة في أن تعتمد على مثل هذه الكلمة التي مزيجها الكذب ، وحشوها الأغلاط ، والعوار مكتنف بها من شتّى نواحيها ، هذا حال الشاهد الأوّل الذي استشهدت به اللجنة الحاكمة.
الشاهد الثاني : أمّا شاهد اللجنة الثاني وهو ابن كثير ، وما أدراك ما ابن كثير؟ وما أدراك ما كتاباه في التفسير والتاريخ؟ مجاميع الفحش ، وموسوعات البهت ، وكراريس الدجل ، ومن تدجيله هاهنا ما ادّعاه من نسبة تحريم ادّخار ما زاد على نفقة العيال إلى أبي ذر وأنّه كان يفتي به ويحثّهم عليه ... إلخ. على حين أنّه لا يوجد لأبي ذر أيّ فتوى تصرّح أو تلوّح بذلك التحريم أو حثّ له على ذلك أو أمر به أو تغليظ فيه غير ما لفّقه الأفّاكون في الأدوار المتأخّرة من عزو مختلق ، نعم ؛ وربما يتّخذ
__________________
(١) راجع الرياض النضرة : ٢ / ١٤٦ [٣ / ٧٤ ـ ٧٥] ، الصواعق : ص ٦٨ [ص ١١٤] ، تاريخ الخميس : ٢ / ٢٦٨. (المؤلف)