المؤثرة في بنائه الخلقي والنفسي ، فاذا نمت قوة الشهوة وتغلبت علىٰ قوة العقل فانّ الانسان سيكون مستسلماً لهواه وملذّاته وسيشبعها دون قيود أو شروط في أجواء المثيرات والمغريات الخارجية الى أن يصبح كالحيوان همّه بطنه وفرجه ، أو يقف الواقع حائلاً دون اشباعها ؛ فيؤدي ذلك الى اختلال التوازن النفسي والانفعالي في كيانه فيصاب بالاضطراب النفسي والروحي ، وإذا غلبت قوة العقل قوة الشهوة ، فإنّ الانسان سيشبعها في وجهها الايجابي ، فهو لا يوقف الشهوة ولا يعطلها بل يوجهها وجهة عقلانية ويقيدها بقيود الشريعة أو يؤجل إشباعها الى ظرفها المناسب المشروع.
ودور العقل هو تعديل الشهوة وتهذيبها واستبدال مثيراتها الطبيعية بمثيرات اخرى تتجه بها الى السمو والكمال ، وتدع بها سلوكها الفطري الى سلوك فيه النضج والقوة للفرد والصلاح للمجتمع.
والعقل يقدّم التسامي على اللذات الفانية ، ويوجه الانسان الىٰ طاعة ربّه ويقدمها علىٰ غيرها.
ويصف الامام محمد الباقر عليهالسلام أهل التقوى قائلاً : « أخّروا شهواتهم ولذّاتهم خلفهم ، وقدّموا طاعة ربّهم أمامهم » (١).
فالامام لم يقل : الغوا شهواتهم ولذاتهم أو عطّلوها بل قال : أخّروا ، لأنّ منهج أهل البيت عليهمالسلام هو منهج التوازن ، ولهذا نجد انّ أمير المؤمنين عليهالسلام يعاتب عاصم ابن زياد حينما لبس العباءة وتخلّىٰ عن الدنيا فيقول له : « يا عديَّ نفسه لقد استهام بك الخبيث ! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلَّ لك الطيّبات ،
_______________________
(١) تحف العقول / الحرّاني : ص ٢٠٩.