فيها ، والاجتهاد في تعلُّم العربية الصحيحة التي بها نزلَ الكتاب ، وورد
البيان.
فعلينا أن
نجتهدَ في تعلُّم ما يُتوصَّل بتعلمه إلى معرفة ضروب خطاب الكتاب ، ثم السُّنن
المبيِّنة لجمل التنزيل ، الموضّحة للتأويل ؛ لتنتفيَ عنا الشبهةُ الداخلةُ على
كثير من رؤساء أهل الزَّيْغ والإلحاد ، ثم على رءوس ذوي الأهواء والبِدَع ، الذين
تأوَّلوا بآرائهم المدخولة فأخطئوا ، وتكلَّموا في كتاب الله جلّ وعزّ بلكنتهم
العجميّةِ دونَ معرفةٍ ثاقبة ، فضلُّوا وأضلُّوا.
ونعوذ بالله من
الخِذلان ، وإياه نسأل التوفيق للصَّواب فيما قصدناه ، والإعانة على ما توخَّيناه
، من النصيحة لجماعة أهلِ دين الله ، إنّه خير موفِّقٍ ومعين.
وأخبرنَا أبو
محمد عبد الملك بن عبد الوهاب البغويّ عن الربيع بن سليمان المراديّ عن محمد بن
إدريس الشافعي رَحِمه الله أنَّه قال :
«لسان العرب
أوسعُ الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، وما نعلم أحداً يحيط بجميعها غير نبيّ ،
ولكنّها لا يذهب منها شيءٌ على عامَّتها حتى لا يكون موجوداً فيها. والعلم بها عند
العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه ، لا نعلم رجلاً جمعَ السنن كلَّها فلم يذهبْ
عليه منها شيء ، فإذا جمع علم عامّة أهل العلم بها أتى على جميع السنن ، وإذا
فرِّق علم كلّ واحدٍ منهم ذهب على الواحد منهم الشيء منها ، ثم كان ما ذهب عليه
منها موجوداً عند غيره. وهم في العلم طبقات : منهم الجامع لأكثره وإن ذهبَ عليه بعضه
، والجامع لأقلَّ ممّا جمع غيره. فينفرد جملة العلماء بجميعها ، وهم درجاتٌ فيما
وعَوْا منها. وكذا لسانُ العرب عند عامّتها وخاصّتها لا يذهب منه شيءٌ عليها ، ولا
يطلب عند غيرها ، ولا يعلمه إلّا من قَبله عنها ، ولا يَشْرَكها فيه إلّا من
اتَّبعها في تعلُّمه منها ، ومن قبله منها فهو من أهل لسانها ، وعِلمُ أكثر اللسان
في أكثر العرب أعَمّ من علم أكثر السنن في أكثر العلماء مقدرة».
قلت : قد قال
الشافعي ـ رحمهالله تعالى ـ فأحسن ، وأوضح فبيَّن ، ودلّ سياقُ بيانه فيما
ذكرناه عنه آنفاً وفيما لم نذكره إيجازاً ، على أنّ تعلُّم العربية التي بها
يُتوصَّل إلى تعلم ما به تجري الصلاة من تنزيلٍ وذكرٍ ، فرضٌ على عامّة المسلمين ،
وأنّ على الخاصّة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهادَ في
تعلُّم لسان العرب ولغاتها ، التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب
والسنن والآثار ، وأقاويل المفسِّرين من الصّحابة والتابعين ، من الألفاظ الغريبةِ
والمخاطبات العربية فإنَّ من جهل سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها ، وافتنانها في
مذاهبها ، جَهِل جُمَل علم