غنى عن هداياه وإنما كان يأمل أن يأتي بنفسه ويظهر طاعته فإن فعل نال كل عطف ، وإن أبى وتوسل بالخداع فسينال جزاءه. فانصرف أبو إسحاق راجعا من جانب الشاه. واجتمع بباريك وعرض عليه مطالب الشاه.
أما باريك فإنه أبدى ظاهرا طاعته للشاه. وبعد مدة أخذ يعد القوة ويستعد للطوارىء ببناء القلاع وجمع المؤونة. وضرب على الأهلين ضرائب ثقيلة في بغداد وحواليها وأخذ ما عندهم من حبوب وأطعمة (شعير وحنطة) وكانت هذه تكفي لإعاشة جيشه لمدة ثلاث سنوات.
وكان من أشراف بغداد آنئذ نقيبها (نقيب النجف) السيد محمد كمونة وكان قد ورث هذا المقام الجليل أبا عن جد. وكان متهما بإخلاصه للشاه وتحزبه له. فأمر باريك بالقبض عليه وزجه في جب مظلم ...
أما الشاه فإنه لما انصرف منه أبو إسحاق الدباس عزم على فتح بغداد. وعين لهذه المهمة أحد قواده حسين بك لالا (لاله) فجعله مقدما على جيش كبير ثم تحرك هو متأخرا عنه ولما سمع باريك اضطرب أمره ولم يقر له قرار ففضل الفرار على الكفاح وعبر على ظهر جواده من جسر بغداد ليلا وتوجه إلى مدينة حلب.
وعند الصباح اجتمع الأهلون ببغداد وجاؤوا إلى الجب الذي سجن فيه السيد محمد كمونة فأخرجوه منه وكان نحيفا ضعيفا من ظلمة السجن وسلموا إليه مقاليد الأمور ببغداد وبهذا أبدوا طاعتهم للشاه.
وفي هذه الأثناء ظهرت طلائع الجيش الإيراني. وفي يوم الجمعة قارب الطلائع بساتين بغداد. وقد صعد السيد محمد كمونة المنبر في أول جمعة وخطب خطبة باسم الشاه إسماعيل وأدى كمال الإخلاص والطاعة. وبعد أداء الجمعة ذهب الأهلون إلى خارج المدينة لاستقبال لاله بيك والترحيب به.