حتّى إذا اصطبحت واغتبقتا |
|
أقبلت معتادا لما تركتا |
* قد أحسن الله وقد أسأتا* |
فلما وقع الاسم المنادى موقع اسم الخطاب وجب أن يكون مبنيا كما أن اسم الخطاب مبني ، وإنما وجب أن يكون مبنيا على الضم لوجهين :
أحدهما : أنه لا يخلو : إما أن يبنى على الفتح ، أو الكسر ، أو الضم ، بطل أن يبنى على الفتح لأنه كان يلتبس بما لا ينصرف ، وبطل أن يبنى على الكسر لأنه كان يلتبس بالمضاف إلى النفس ، وإذا بطل أن يبنى على الفتح وأن يبنى على الكسر تعين أن يبنى على الضم.
والوجه الثاني : أنه بني على الضم فرقا بينه وبين المضاف ؛ لأنه إن كان مضافا إلى النفس كان مكسورا ، وإن كان مضافا إلى غيرك كان منصوبا ، فبني على الضم ؛ لئلا يلتبس بالمضاف ؛ لأنه لا يدخل المضاف.
وإنما قلنا «إنه في موضع نصب» لأنه مفعول ؛ لأن التقدير في قولك «يا زيد» أدعو زيدا ، أو أنادي زيدا ، فلما قامت «يا» مقام أدعو عملت عمله ، والذي يدل [١٤٥] على أنها قامت مقامه من وجهين ؛ أحدهما : أنها تدخلها الإمالة نحو «يا
______________________________________________________
المفصل (ص ٥٧ و ١٦٠ ليبزج) والأشموني (رقم ٨٦٦) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٣١) والاستشهاد به ههنا في قوله «يامر يابن واقع» وفي قوله «يا أنتا» فإن النداء الثاني ـ وهو قوله «يا أنتا» ـ يدل على النداء الأول ـ وهو قوله «يامر يابن واقع» ـ في معناه ، فيكون الاسم العلم المنادى واقعا موقع الضمير ، وقد علم أن الضمير مبني ، فيكون الواقع موقعه مبنيا أيضا ، قال ابن يعيش (ص ١٦٠) «فإن قيل : فلم بني ، وحق الأسماء أن تكون معربة؟ فالجواب أنه إنما بني لوقوعه موقع غير المتمكن ، ألا ترى أنه وقع موقع المضمر ، والمتمكنة من الأسماء إنما جعلت للغيبة ؛ فلا تقول قام زيد وأنت تحدثه عن نفسه ، إنما إذا أردت أن تحدثه عن نفسه فتأتي بضميره فتقول : قمت ، والنداء حال خطاب ، والمنادى مخاطب ، فالقياس في قولك يا زيد أن تقول : يا أنت ، والدليل على ذلك أن من العرب من ينادي صاحبه إذا كان مقبلا عليه ومما لا يلتبس نداؤه بالمكنى ، فيناديه بالمكنى على الأصل فيقول : يا أنت ، قال الشاعر :
* يامر يا ابن واقع يا أنتا*
غير أن المنادى قد يكون بعيدا منك أو غافلا ، فإذا ناديته بأنت أو إياك لم يعلم أنك تخاطبه أو تخاطب غيره ؛ فجئت بالاسم الذي يخصه دون غيره وهو زيد ، فوقع ذلك الاسم موقع المكنى ، فتبنيه لما صار إليه من مشاركة المكنى الذي يجب بناؤه» اه.
واعلم أن العرب إذا استعملت الضمير في النداء استعملته على وجهين : أحدهما أن يأتوا به ضميرا من ضمائر النصب فيقولوا «يا إياك» والثاني أن يأتوا به ضميرا من ضمائر الرفع فيقولوا «يا أنت» كما في البيت المستشهد به.