كلام العرب ؛ فكان ما صرنا إليه أولى مما صرتم إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما احتجوا به من قوله :
* كم بجود مقرف نال العلى* [١٨٦]
فالكلام عليه من وجهين ؛ أحدهما : أن الرواية الصحيحة «مقرف» بالرفع بالابتداء ، وما بعدها الخبر ، وهو قوله «نال العلى». والثاني : أن هذا جاء في الشعر شاذا ؛ فلا يكون فيه حجّة ، وهذا هو الجواب عن البيت الآخر.
وأما قولهم «إن خفض الاسم بعد كم بتقدير من ، والتقدير مع وجود الفصل كما هو مع عدمه» قلنا : لا نسلم أن جر الاسم بعد كم بتقدير من ، بل العامل فيه كم ؛ لأنها عندنا بمنزلة عدد يضاف إلى ما بعده ، وعند المحققين من أصحابكم أنها بمنزلة ربّ ؛ فيخفضون بها الاسم الذي بعدها كربّ.
والذي يدل على فساد ما ذهبتم إليه أن حرف الجر لا يجوز أن يعمل مع الحذف ، وإنما يجوز أن يعمل حرف الجر مع الحذف في مواضع يسيرة على خلاف الأصل ، إذا حذف إلى عوض وبدل ، كربّ بعد الواو والفاء وبل ، على أنكم تزعمون أن حرف الجر غير مقدر بعد هذه الحروف ، وإنما هي العاملة بطريق النيابة عن حرف الجر ، لا حرف الجر ، وقد بيّنا ذلك مستوفى في موضعه.
وقولهم «إنها لو كانت بمنزلة عدد ينصب ما بعده كثلاثين ونحوه لكان ينبغي أن لا يجوز الفصل بينها وبين معمولها ؛ لأن ثلاثين لا يجوز أن يفصل بينها وبين معمولها» قلنا : إنما جاز الفصل بين كم [١٣٨] ومميزها جوازا حسنا دون «ثلاثين» ونحوه لأن كم منعت بعض ما لثلاثين من التصرف ؛ فجعل هذا عوضا مما منعته ، ألا ترى أن «ثلاثين» تكون فاعلة لفظا ومعنى ، كقولك : ذهب ثلاثون ، وتقع مفعولة في رتبتها ، كقولك : أعطيت ثلاثين ، ولا يكون ذلك في كم ، فلما منعت كم بعض ما لثلاثين من التصرف جعل لها ضرب من التصرف لا يكون لثلاثين ؛ ليقع التعادل بينهما ، على أنه قد جاء الفصل بين ثلاثين ومميزها في الشعر ، قال الشاعر :
[١٩٠] على أنّني بعد ما قد مضى |
|
ثلاثون للهجر حولا كميلا |
______________________________________________________
[١٩٠] البيت الأول من هذين البيتين من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص ٥٨١) والرضي في شرح الكافية في باب التمييز وفي باب الكنايات ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٥٧٣) وابن الناظم ، والأشموني (رقم ١١٣١) وهما معا من شواهد سيبويه (١ / ٢٩٢) وقد نسب العيني (٤ / ٤٨٩ بهامش الخزانة) بيت الشاهد للعباس بن مرداس السلمي ، وقال البغدادي : «وهما من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل» والعجول ـ بفتح