يذكّرنيك حنين العجول |
|
ونوح الحمامة تدعو هديلا |
ففصل بين «ثلاثين» وبين مميّزها بالجار والمجرور ، وإن كان قليلا لا يقاس عليه ، والله أعلم.
______________________________________________________
العين ـ الناقة التي ألقت ولدها قبل موعده ، أو هي التي ذبح ولدها أو مات ، وحنينها : أراد به ما تظهره من الوله على ولدها ، والهديل : أصله صوت الحمام ، ويراد منه فرخ الحمام الذي تزعم العرب أن جارحا صاده على عهد نوح فكل حمامة تبكي عليه إلى اليوم.
يقول : إنني لا أنسى عهدك على بعده ، فكلما حنت عجول أو ناحت حمامة رقت نفسي فذكرتك. والاستشهاد به في قوله «ثلاثون للهجر حولا» حيث فصل بين اسم العدد ـ وهو قوله «ثلاثون» ـ وتمييزه ـ وهو قوله «حولا» وهذا يقوي ما جوزه النحاة في «كم» من الفصل بينها وبين تمييزها عوضا عما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير ، بسبب كونها أشبهت كم الاستفهامية فألزمت التصدير لذلك ، وإن كان بين «كم» وبين اسم العدد فرق ، فإن الثلاثين ونحوها من أسماء الأعداد لا تمتنع من التقديم والتأخير ، لأنها لم تتضمن معنى يوجب لها التصدير ، فكان عملها في التمييز أوسع من عمل كم ، قال سيبويه (١ / ٢٩١) : «واعلم أن كم تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه ، فإذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في كم ، لأن العشرين عدد منون ، وكذلك كم هو منون عندهم ، كما أن خمسة عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه ، لو لا ذلك لم يقولوا :
خمسة عشر درهما ، ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما لا ينصرف ، وموضعه موضع اسم منون ، وكذلك كم موضعها موضع اسم منون ، وذهبت منها الحركة كما ذهبت من إذ ؛ لأنهما غير متمكنين في الكلام» ثم قال بعد كلام : «وتقول : كم رجل زارني ، ولا تقول : زارني كم رجل ، ولو قال : أتاك ثلاثون اليوم درهما ، كان قبيحا في الكلام ؛ لأنه لا يقوى قوة الفاعل ، وليس مثل لم ؛ لما ذكرت لك ، وقد قال الشاعر.
* على أنني بعد ما قد مضى ثلاثون ...*
وكم رجلا أتاك ، أقوى من كم أتاك رجلا ، وكم ههنا فاعلة» اه. وقال ابن يعيش : «فإن قيل : فلم قبح الفصل بين العدد ومميزه ولم يحسن أن تقول : قبضت خمسة عشر لك درهما ، ورأيت عشرين في المسجد رجلا؟ قيل : إنما كان كذلك لضعف عمل العشرين ونحوها فيما بعدها ؛ لأنها عملت على التشبيه باسم الفاعل ولم تقو قوته ، مع أنه قد جاء ذلك في الشعر» اه. ومثل هذا البيت في الفصل بين اسم العدد ومميزه ما أنشده ابن يعيش (٥٨١) ونسب روايته إلى سيبويه ، ونسبه لعبد بني الحسحاس :
فأشهد عند الله أن قد رأيتها |
|
وعشرون منها إصبعا من ورائيا |