لامتناع الفصل بينهما ، قال الشاعر :
[١٨٨] كم نالني منهم فضلا على عدم |
|
إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل |
[١٣٧] والتقدير : كم فضل ، إلا أنه لما فصل بينهما بنالني منهم نصب «فضلا» فرارا من الفصل بين الجار والمجرور ، وقال الآخر :
[١٨٩] تؤم سنانا وكم دونه |
|
من الأرض محدودبا غارها |
والتقدير : كم محدودب غارها دونه من الأرض ، إلا أنه لما فصل بينهما نصب «محدودبا» وإن لم يقصد الاستفهام ؛ لئلا يفصل بين الجار والمجرور ، وإنما عدل إلى النصب لأن «كم» تكون بمنزلة عدد ينصب ما بعده ، ولم يمتنع النصب بالفصل كما امتنع الجر ؛ لأن الفصل بين الناصب والمنصوب له نظير في كلام العرب ، بخلاف الفصل بين الجار والمجرور ؛ فإنه ليس له نظير في
______________________________________________________
[١٨٨] هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ٢٩٥) وابن يعيش في شرح المفصل (ص ٥٨١) والأشموني (رقم ١١٤٠) ورضي الدين في شرح الكافية ، وشرحه البغدادي (٣ / ١٢٢) والبيت من كلام القطامي ـ واسمه عمير بن شييم ـ من قصيدته التي يمدح فيها عبد الواحد بن الحارث بن الحكم والي المدينة في عهد مروان بن الحكم الأموي والتي مطلعها قوله :
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل |
|
وإن بليت ، وإن طالت بك الطيل |
وقوله «إنا محيوك» معناه إنا داعون لك بالتحية ، وهي البقاء ، والطلل ـ بالتحريك ـ ما بقي شاخصا مرتفعا من آثار الديار ، والطيل ـ بكسر الطاء وفتح الياء مخففة ـ جمع طيلة ، وهي الدهر ، والإقتار : الفقر ، و «أحتمل» يروى بالحاء المهملة ، ومعناه أرتحل لطلب الرزق ، ويروى بالجيم ، ومعناه أجمع العظام لأستخرج ودكها وشحمها وأتعلل به ، مأخوذ من الجميل وهو الودك. يقول : لقد أنعم علي هؤلاء وزادوا في إنعامهم عند فقري وحاجتي التي بلغت إلى حد أنني لا أقدر على الارتحال لطلب الرزق ضعفا وفقرا. والاستشهاد به في قوله «كم نالني منهم فضلا» حيث نصب تمييز «كم» الخبرية لما فصل بين كم وتمييزها وسيبويه لا يوجب ذلك إلا في ضرورة الشعر ، والفراء يجيزه في السعة ، وقد بيّنا لك هذا في شرح الشواهد السابقة.
[١٨٩] هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٢٦٥) والزمخشري في مفصله وابن يعيش في شرحه (ص ٥٨١) والأشموني (رقم ١١٤١) وصف زهير في هذا البيت ناقته ، وتؤم : أي تقصد ، وفيه ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى الناقة ، والغار : الغائر المطمئن من الأرض ، وجعله محدودبا لما يتصل به من الآكام ومتون الأرض. والاستشهاد به في قوله «وكم دونه من الأرض محدودبا» حيث أتى بتمييز كم الخبرية منصوبا لما فصل بين كم وبينه بالظرف والجار والمجرور والكلام فيه كالكلام فيما قبله.