______________________________________________________
وبدا : أي ظهر ، والليل داج : أي مظلم. والاستشهاد بالبيت في قوله «وأبيض من ماء الحديد» فإن «أبيض» في هذه العبارة ليس أفعل تفضيل ، لكنه صفة مشبهة ، و «من» التالية له ليست من التي تدخل على المفضول في نحو قولك : فلان أكرم خلقا من فلان ، وأشرف نفسا منه ، وأطهر قلبا منه ، وما أشبه ذلك ، وعلى ذلك لا تكون «من» هذه متعلقة بأبيض ، بل هي متعلقة بمحذوف يقع صفة لأبيض ، وكأنه قد قال : وأبيض كائن من ماء الحديد ، أي مأخوذ ومصنوع من ماء الحديد ، والكلام في وصف سيف ، وإذا كان لفظ «أبيض» يأتي صفة مشبهة كما في هذا البيت وفي الشاهد الذي يليه فإنه لا يمتنع أن يكون أبيض في قول الراجز :
* أبيض من أخت بني أباض*
وفي البيت المنسوب إلى طرفة :
* ... أبيضهم سربال طباخ*
وأسود في قول المتنبي الذي أنشدناه لك :
* ... أسود في عيني من الظلم*
صفة مشبهة أيضا ، وكأن المتنبي قد قال : لأنت مسود في عيني ، ولأنت من الظلم ؛ وكأن طرفة قد قال : أنت مبيضهم سربال طباخ ، وكأن الراجز قد قال : جسد مبيض كائن من أخت بني أباض ، وقد اتفق مع المؤلف على هذا التخريج ابن يعيش والشريف المرتضى والحريري في درة الغواص ، وكلهم تابعون لابن جني. ويقول أبو رجاء : إنه ليس من المنكر أن يجيء وزن أفعل من البياض والسواد وغيرهما من الألوان ومن غير الألوان صفة مشبهة ، نقول : فلان أبيض اللون ، وفلان أسود ، أو أخضر ، أو أصفر ، وتقول : فلان أهيف البطن. وفلان أجب الظهر ، وفلان أوحد دهره ، وما لا يحصى من المثل ، ومن ذلك قول أبي الطيب المتنبي أيضا :
يلقاك مرتديا بأحمر من دم |
|
ذهبت بخضرته الطلى والأكبد |
ومن ذلك قول أبي تمام :
له منظر في العين أبيض ناصع |
|
ولكنه في القلب أسود أسفع |
وقد قال المفسرون في قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ :) إن «أهون» في هذه الآية بمعنى هين ، كما قالوا في قول معن بن أوس :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل |
|
على أينا تغدو المنية أول |
إن «أوجل» هنا صفة مشبهة وليست أفعل تفضيل ، أقول : نحن لا ننكر أن هذا الوزن يأتي صفة مشبهة خالية من معنى تفضيل شيء على شيء ، كما لا ننكر أن من هذه البابة قول الشاعر :
* وأبيض من ماء الحديد كأنه*
وما معه من الأبيات ، لكنا لا نستطيع أن نستسيغ أن يكون من هذه البابة قول الراجز :
* أبيض من أخت بني أباض*
مع قول الرواة الموثوق بهم : إن نساء بني أباض مشهورات ببياض ألوانهن ؛ وعلى هذا يكون هذا الجواب غير مستقيم ، ولو كان القائل به ابن جني ومن تبعه من فحولة النحاة.