وجوّز بعضهم إيقاع نعم موقع بلى ، إذا جاءت بعد همزة داخلة على نفي لفائدة التقرير ، أي الحمل على الإقرار والطلب له ، فيجوز أن يقال في جواب : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) و : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢) : نعم ؛ (٣) لأن الهمزة للإنكار دخلت على النفي فأفادت الإيجاب ، ولهذا عطف على : (أَلَمْ نَشْرَحْ) قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٤) ، فكأنه قال : شرحنا لك صدرك (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ،) فتكون «نعم» في الحقيقة ، تصديقا للخبر المثبت المؤوّل به الاستفهام مع النفي ؛ لا تقريرا لما بعد همزة الاستفهام ، فلا يكون جوابا للاستفهام لأن جواب الاستفهام يكون بما بعد أداته ؛ بل هو كما لو قيل قام زيد بالإخبار ، فتقول : نعم ، مصدقا للخبر المثبت ، فالذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، مبني على كون «نعم» تقريرا لما بعد الهمزة ، والذي جوّزه هذا القائل ، مبني على كونه تقريرا لمدلول الهمزة مع حرف النفي ، فلا يتناقض القولان ؛
والدليل على جواز استعمال ما قال هذا القائل ، قول الشاعر :
٨٩٩ ـ أليس الليل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا فذاك لنا تداني (٥) |
نعم ، وأرى الهلال كما تراه |
|
ويعلوها النهار كما علاني |
أي : أنّ الليل يجمع أمّ عمرو وإيّانا ، نعم (٦) ، وقد اشتهر في العرف ما قال هذا لقائل ، فلو قيل لك : أليس لي عليك دينار ، فقلت : نعم ، لزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ على الوضع ؛
__________________
(١) الآية السابقة ألست بربكم ؛
(٢) أول سورة الشرح ؛
(٣) مرتبط بقوله : فيجوز أن يقال .. فلفظ نعم نائب فاعل ؛
(٤) الآية الثانية من سورة الشرح ؛
(٥) من قصيدة لجحدد بن مالك الحنفي ، قالها وهو في سجن الحجاج الثقفي ، وبعد البيتين المستشهد بهما :
فما بين التفرق غير سبع |
|
بقين من المحرّم أو ثمان |
ومنها قوله :
فان أهلك فربّ فتى سيبكي |
|
عليّ مهذب رخص البنان |
(٦) ذكر كلمة نعم بعد شرحه لمعنى البيتين : فائدته التوكيد ؛