أخبرنا محمد بن إسحاق ، قال (١) : ثم إن تبّعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قناة (٢) فحفر فيها بئرا فهي اليوم تدعى بئر الملك ، قال : وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج ، فنصبوا له فقاتلوه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة وإلى أصحابه ، فلما فعلوا به ليال (٣) ، استحيا فأرسل إليهم [يريد] (٤) صلحهم ، فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي. فقال له أحيحة : أيها الملك نحن قومك ، وقال بنيامين : أيها الملك هذه بلدة لا تقدر على أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك. فقال : ولم؟ قال : لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه [الله] (٥) من قريش وجاء تبّعا مخبر خبره عن اليمن أنه بعث عليها نار تحرق كلّما مرت به ، فخرج سريعا وخرج معه نفر من يهود فيهم بنيامين وغيره وهو يقول (٦) :
إنّي نذرت يمينا غير ذي خلف |
|
ألا أجوز وبالحجاز مخلّد |
حتى أتاني من قريظة عالم |
|
حبر لعمرك في اليهود مسوّد |
ألقى إليّ نصيحة كي أزدجر |
|
عن قرية محجورة بمحمّد |
ولقد تركت بها رجالا وضعا |
|
للنصر ينتظرون نور المهتدي |
قال : ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدّفّ من جمدان من مكة على ليلتين أتاه ناس من هذيل بن (٧) مدركة وتلك منازلهم فقالوا : أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهبا وياقوتا وزبر جدا تصيبه وتعطينا منه؟ قال : بلى ، فقالوا : هو بيت بمكة (٨) ، فراح تبّع وهو مجمع لهدم البيت ، فبعث الله عليه ريحا فقعت يديه ورجليه ، وشجّت جسده ، فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال : ويحكم ما هذا الذي أصابني قالوا : أحدثت شيئا؟ قال : وما أحدث؟ فقالوا : حدّثت نفسك بشيء؟ فقال : نعم ، جاءني نفر من أهل هذا المنزل الذي
__________________
(١) سيرة ابن إسحاق ص ٢٩.
(٢) كذا بالأصل والمطبوعة ١٠ / ٤١٧ وفي سيرة ابن إسحاق : بوادي قبا.
(٣) بالأصل : «لياليا».
(٤) زيادة عن سيرة ابن إسحاق.
(٥) زيادة عن سيرة ابن إسحاق.
(٦) الأبيات في سيرة ابن إسحاق ، والثاني في الطبري ٢ / ١١٠ من أبيات.
(٧) بالأصل «من» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٣٠.
(٨) في الطبري ٢ / ١٠٧ إنما أراد الهذليون بذلك هلاكه لما قد عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده.