وإن لم يدركه إلى أولاده وأولاد أولاده أبدا ما تناسلوا إلى حين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان في الكتاب : أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزله الله عزوجل عليك ، وأنا على دينك وسنّتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء وبكل ما جاءك من ربك عزوجل من شرائع الإيمان والإسلام إنني قبلت ذلك فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم يدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسى فإني من أمتك الأوابين وتابعيك قبل مجيئك وقبل إرسال الله تعالى إياك ، وأنا على ملّتك وملة أبيك إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، وختم الكتاب بالذهب ونقش عليه : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) (١) وكتب عنوان الكتاب : إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلوات الله عليه ، من تبّع الأول حمير بن وردع ، أمانة الله في يد من وقع [إليه] ، إلى أن يوصل إلى صاحبه ، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له في شأن الكعبة وأمره بحفظها ، وخرج تبّع من يثرب ، ويثرب هو الموضع الذي نزله العلماء ، وهو مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم وسار تبّع حتى مر بغلسان ـ بلد من بلاد الهند ـ فمات بها.
ومن اليوم الذي مات فيه تبّع إلى اليوم الذي ولد فيه النبي صلىاللهعليهوسلم ألف سنة لا زيادة ولا نقصان ، ثم إن أهل المدينة الذين نصروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أولاد أولئك العلماء الأربع مائة الذين سكنوا دور تبّع إلى أن بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسمعوا بخروجه استشاروا في إيصال الكتاب فأشار عليهم عبد الرّحمن بن عوف ، وكان قد هاجر قبل النبي صلىاللهعليهوسلم أن اختاروا رجلا ثقة ، وابعثوا بالكتاب معه إليه. فاختاروا رجلا يقال له أبو ليلى ـ وكان من الأنصار ـ ودفعوا إليه الكتاب وأوصوه بمحافظة الكتاب والتبليغ ، وخرج على طريق مكة فوجد محمدا صلىاللهعليهوسلم في قبيلة سليم ، فعرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم الرجل فدعاه فقال : «أنت أبو ليلى؟» [قال : نعم] (٢) قال : «ومعك كتاب تبّع الأول» ، فبقي الرجل متفكرا وذكر في نفسه أن هذا من العجب ، ولم يعرفه ، فقال : من أنت؟ فقال : فإني لست أعرف في وجهك أثر السجود ، وتوهم أنه ساحر فقال : «لا بل أنا محمد ، هات الكتاب» ، ففتح الرجل رحله وكان يخفي الكتاب فدفعه إليه ، فقرأه أبو بكر على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «مرحبا بالأخ الصّالح» ثلاث مرات ، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة ، فرجع وبشّر القوم ،
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٤ و ٥.
(٢) زيادة للإيضاح.