وخلع على الكعبة سبعة أثواب ، وهو أول من كسى البيت ، ودعا أهل مكة فأمرهم بحفظ الكعبة وخرج هو إلى يثرب.
ويثرب هي بقعة فيها عين ماء ليس فيها نبت ولا بيت ولا أحد ، فنزل على رأس العين مع عسكره بجمع العلماء والحكماء الذين كانوا معه واختارهم من بلدان مختلفة ، ورئيس العلماء العالم الناصح الشفيق لدين الله عزوجل الذي أعلم الملك شأن الكعبة ثم انهم اجتمعوا وتشاوروا فاعتزل من بين أربعة آلاف [رجل عالم] (١) على أربعمائة رجل ، كل من كان أعلم ، وأفهم [وبايع كل واحد منهم صاحبه أنهم لا يخرجون من ذلك المقام وإن ضربهم الملك وقتلهم] (٢) وقرضهم وأحرقهم وجاءوا بجملتهم ووقفوا بباب الملك ، وقالوا : إنا خرجنا من بلداننا فطفنا مع الملك زمانا وحينا ونريد أن نقيم في هذا المقام إلى أن نموت فيه ، إنا قد عقدنا أن لا نخرج من هذا المقام إلى أن نموت ، وإن (٣) قتلنا وحرقنا. فقال الملك للوزير : انظر ما شأنهم يمتنعون عن الخروج معي وأنا احتاج إليهم ، ولا أستغني عنهم ، وأي حكمة في نزولهم في هذا المقام واختيارهم؟ فخرج الوزير وجمعهم وذكر لهم قول الملك ، فقالوا للوزير : اعلم أن شرف هذا البيت وشرف هذه البلدة بسبب هذا الرجل الذي يخرج يقال له محمد صلىاللهعليهوسلم إمام الحق ، صاحب القضيب والناقة والتاج ، والهراوة ، وصاحب القرآن ، والقبلة ، وصاحب اللواء والمنبر يقول : لا إله إلّا الله ، مولده بمكة وهجرته إلى هاهنا ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا ، فلما سمع الوزير مقالتهم همّ أن يقيم معهم فلما جاء وقت الرحيل أمر الملك أن يرتحلوا فقالوا بأجمعهم : لا نرحل وقد أخبرنا الوزير بحكمة مقامنا هاهنا ، فدعا الملك الوزير [فقال له] لم تخبر بالمقالة؟ قال : لأني عزمت على المقام معهم وخفت أن لا تدعني ، وأعلم أنهم لا يخرجون فلما سمع الملك منه تفكّر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلىاللهعليهوسلم وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دارا لكلّ رجل من العلماء دارا ، واشترى لكل رجل منهم جارية وأعتقها وزوجها منه ، وأعطى لكل واحد منهم عطاء جزيلا ، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكتب كتابا وختمه بالذهب ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة ، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صلىاللهعليهوسلم إن أدركه ،
__________________
(١) الزيادة عن مختصر ابن منظور.
(٢) الزيادة عن مختصر ابن منظور.
(٣) في المختصر والمطبوعة : وإن قتلتنا وحرقتنا.