التوراة من قريب أو بعيد إلى أماكن حط الخليل فيها ركبه ورحالهم أثناء هجرتهم هذه ، حتى وصلوا إلى شكيم ، وإن كان المؤرخ اليهودي «يوسف بن متى» ، قد ذهب إلى أن إبراهيم كان «ملك دمشق» ، وأن «نقولا الدمشقي» يقول في الكتاب الرابع من تاريخه ، أن ابراميس (إبراهيم) حكم في دمشق ، وكان مغيرا قدم من أرض بابل من البلاد التي تسمى بلاد الكلدانيين ، ولم يمض عليه طويل وقت حتى هجرها وقومه إلى كنعان ، وهو أمر لم يذكره القرآن من بعد ، ولا التوراة أو الإنجيل من بعد ، وإن ورد اسم «اليعاذر الدمشقي» في التوراة ـ وهو وكيل بيت إبراهيم ـ وإن أشار كذلك المؤرخون الإسلاميون إلى رواية ابن عباس من أن الخليل قد ولد بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون ، وقد صحح ذلك الحافظ بن عساكر ، فقال أنه ولد في بابل ، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه ، إذ جاء معينا للوط عليهالسلام (١) ، وكل ذلك يدل على أن هناك علاقة من نوع ما بين إبراهيم الخليل وبين دمشق ، وإن كانت وصلت إلينا من مصادر متأخرة.
وعلى أي حال ، فإن إبراهيم الخليل قد اختار ـ كما تشير التوراة ـ في ريادته الأولى لأرض كنعان ، الطريق الشاق والموحش ، إذ كان متجولا فوق التلال نحو الجنوب ، وهنا نجد حواف التلال المليئة بالأشجار ، تقدم ملجأ وملاذا للغريب في الأرض الأجنبية بينما يقدم الخلاء الواسع المرعى الواسع لقطعانه ورعاته ، وعند ما أراد الخليل أن يستقر في بادئ الأمر ، فضل ذلك أن يكون فوق هضبة ، ذلك لأنه ـ بأقواسه ومقاليعه ـ لم يكن في حالة تمكنه من أن يخاطر بالصدام مع الكنعانيين ، الذين كانوا ـ بسيوفهم وحرابهم ـ أكبر من ند له ، ولم يكن إبراهيم بعد مستعدا
__________________
(١) ابن كثير : قصص الأنبياء ١ / ١٦٨ ، البداية والنهاية ١ / ١٤٠