(٣) محاولات هدم الكعبة
ولعل هذه المكانة الفريدة للكعبة عند العرب هي التي دفعت بأصحاب السلطان والقوة في تلك الأيام محاولة هدم الكعبة ، أو على الأقل انضوائها تحت لوائهم ، وأول هذه المحاولات ـ طبقا لرواية الأخباريين ـ ما كان من «تبان أسعد أبو كرب» حين قدم من المشرق إلى المدينة غازيا ، فجاءه حبران من يهود بني قريظة ، ونصحاه أن لا يفعل ، فإن أبي حيل بينه وبين ما يريد ، فضلا عن عقاب سوف يناله ، معللين ذلك بأن المدينة سوف تكون مهاجر نبي سوف يخرج من قريش ، وهكذا صرف الحبران «تبع» عن تدمير المدينة ـ أو يثرب كما كانت تدعى ـ فضلا عن إيمانه بدينها ، بل إن البعض إنما يذهب إلى أن الرجل ما أن سمع عن النبي ، (صلىاللهعليهوسلم) ، من هذين الحبرين اليهوديين ، إلا وقال فيه شعرا ، يشهد فيه له بالنبوة ، ويتمنى أن يعيش حتى يراه ، فيكون له وزيرا وابن عم ، فضلا عن القتال إلى جانبه وتفريج همومه ، لأنه كان على علم بما سيلاقيه الحبيب المصطفى ـ صلوات الله عليه ـ من قومه من أذى (١).
ويتجه «تبع» صوب مكة في طريقه إلى اليمن ، حتى إذا ما كان بين «عسفان» و «أمج» ، أتاه نفر من هذيل يغرونه بسلب البيت الحرام ، ويستفتي تبع أحبار يهود في هذا الأمر ، فيصدقونه النصح قائلين «ما نعلم بيتا لله عزوجل اتخذه لنفسه في الأرض غيره» ، وأنه إن قبل ذلك الأمر ، كان فيه هلاكه ، ويعلم «تبع» أن الصدق ما نصحا به الحبران اليهوديان ، فينتقم من هذيل ، ثم يمضي إلى مكة ، فيطوف بالبيت العتيق ، وينحر الذبائح عنده ، ثم يقيم بمكة ستة أيام ، يرى أثناءها ـ فيما يرى النائم ـ
__________________
(١) ابن كثير ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٤٢ ، جواد علي ٢ / ٥١٤ ـ ٥١٥ ، بلوغ الأرب ٢ / ١٧٠ ، ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، ابن خلدون ٢ / ٥٢ ، مروج الذهب ١ / ٨٢ ، اليعقوبي ١ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، الأزرقي ١ / ١٣٢ ـ ١٣٤