وبدهى أنه ليس في هذه الآيات الكريمة ما يشير إلى هجرة أبيه معه ، ولو كان أبوه آمن به وهاجر معه ، لكان ذلك حدثا هاما جديرا بالتنصيص عليه ، تكريما له ولإبراهيم في نفس الوقت ، ولم يكن ابن أخيه لوط أقرب إليه من أبيه ، حتى ينال لوط وحده شرف الهجرة ومثوبة التوحيد (١) ، هذا فضلا عن أن الآيات الكريمة تشير إلى أن الهجرة إنما كانت (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٢) ، وليست هذه الارض ـ بحال من الاحوال ـ حاران ، فإذا تذكرنا أن موطن الخليل كان في حاران ، لتبين لنا أن هجرة الخليل هذه إنما كانت من حاران إلى كنعان ، وبالتالي فلا صلة لها بأور.
ومن هنا فليست الهجرة لأسباب سياسية أو اقتصادية ، وإنما لأسباب دينية تتصل بدعوة التوحيد التي حمل لواءها جدنا الأكبر أبو الأنبياء إبراهيم الخليل ـ عليهالسلام ـ بخاصة وأن حاران ـ وتقع على نهر بلخ على مبعدة ٦٠ ميلا إلى الغرب من تل حلفا ـ كانت أثناء هذه الهجرة ـ حوالي عام ١٨٦٥ ق. م. ـ وطوال القرنين ١٩ ، ١٨ ق. م. مدينة مزدهرة ، وتقع على طريق التجارة القادمة إليها من الشرق والغرب ، أضف إلى ذلك أن الخليل كان يقيم المحاريب لله العلي القدير ـ كما سوف ترى ـ مما يدل على أن الأسباب الدينية لعبت أهم الأدوار في هجراته ، الأمر الذي يبدو واضحا في آيات القرآن الكريم ، وكذا في بعض نصوص التوراة.
وأيا ما كان الأمر ، فان الرحلة قد بدأت من كنعان ، ولا تشير
__________________
(١) محمود عمارة : اليهود في الكتب المقدسة ص ٢١ ، ٢٣
(٢) انظر عن تفسير الآية الكريمة : تفسير البيضاوي ٢ / ٧٦ ـ ٧٧ ، تفسير الجلالين ص ٧٧ (نسخة على هامش البيضاوي).