ومن هذا المنطلق كان اعتقادنا ، أن الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد أقدم على ما أقدم عليه من رحلته إلى الحجاز بزوجه وولده ، امتثالا لأمر الله ، ورغبة في نشر الإيمان بالله في بيئة جديدة ، وفي مناخ جديد ، بعد أن قام بذلك في العراق وفي سورية وفي مصر ، وليربط ولده وبكره بما ارتبط به هو من قبل ، فإبراهيم ـ كما أشرنا من قبل ـ يرجع في نسبه الأول إلى العرب العاربة ، والتي هاجرت من جزيرة العرب ، وإبراهيم قد ولد ونشأ في العراق ، وإبراهيم هاجر إلى الشام ثم إلى مصر ، ومن مصر إلى فلسطين ثانية ، ثم من فلسطين إلى الحجاز ، ومن الحجاز الى فلسطين ، وأما إسماعيل ـ عليهالسلام ـ فقد كان نصف مصري ، نصف عراقي ، واسماعيل قد ولد في الشام ، وعاش في الحجاز ، وتزوج من يمنية ـ أو مصرية طبقا لرواية التوراة (١) ـ وتخريجا من هذا ، فإن إسماعيل رمز العروبة كلها ، رمز لعروبة العراق ، ورمز لعروبة الشام ، ورمز لعروبة مصر ، ورمز لعروبة الجزيرة العربية ، ولعل هذا ما يميزه على أخيه إسحاق ، الذي اقتصرت حياته ومماته على جزء من الشام فحسب ، ولم يتصل بقرابة من دم ، أو صلة من نسب ، بغير عشيرة أمه ، حيث تزوج من ابنة خاله لابان (٢).
(٦) قصة الذبيح
لم يترك الأب الحنون والشيخ الجليل ابنه في ذلك المكان الموحش القفر بصحراء مكة ، دون أن يحن إليه ويذكره ، ودون أن يزوره بين الحين والحين ، وفي إحدى هذه الزيارات ، وكان الغلام قد شبّ وارتحل ، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل ، رأى الخليل ـ عليه الصلاة
__________________
(١) تكوين ٢١ : ٢١
(٢) تكوين ٢٨ : ١ ـ ٢