يعرفون أن الأنباط لم يكونوا في العراق ، وإنما في شمال غرب الجزيرة العربية ، وأن عاصمتهم إنما كانت «البتراء» ، وأنهم أقاموا دولة مستقلة ، فيما بين القرن الثاني قبل الميلاد ، وأوائل الثاني الميلادي ، ثم استولى الرومان عليها في عام ١٠٦ م ، على أيام تراجان (٩٨ ـ ١١٧) م ، ومن ثم فالفرق بين عهد الخليل ، عليه الصلاة والسلام ـ وبين عهد الأنباط ، جد كبير (١).
وعودا على بدء ، إلى الخليل وقومه ، حيث ترى أبا الأنبياء قد بدأ يفقد الأمل في إيمان القوم ، وبخاصة بعد المناظرة التي جرت بينه وبين الذي آتاه الله الملك (٢) ، فإن الله لا يهدي القوم الظالمين ، وهنا يقرر الخليل الهجرة ، (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ» (٣) ، ويعلن القرآن الكريم في وضوح ـ لا لبس فيه ولا غموض ـ إيمان لوط عليهالسلام ، (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ، وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (٤) ، ويبدو أن النبي الكريم قد تحمل بعض الأذى الذي تحمله أبو الأنبياء ـ عليهالسلام ـ ومن ثم فقد ربط القرآن الكريم نجاة الواحد منهما بالآخر ، من عذاب هؤلاء القوم الظالمين ، يقول سبحانه وتعالى (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ، قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ، وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ ، وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ» (٥).
__________________
(١) راجع عن دولة الانباط ، كتابنا «بلاد العرب»
(٢) سورة البقرة : آية ٢٥٨ وانظر : تفسير الطبري ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٨ (دار المعارف بمصر) ، الكشاف ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ، تفسير النسفي ١ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، الدرر المنثور ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، تفسير القرطبي ٣ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٥ ـ ١٩
(٣) سورة الصافات : آية ٩٩
(٤) سورة العنكبوت : آية ٢٦
(٥) سورة الأنبياء : آية ٦٨ ـ ٧١