والله إنه لو لا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني فقالا له : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته أعفيت مما تكره؟ قال : أنصفتما بي ، ثم ركز الحربة وجلس.
فكلّمه مصعب وعرض عليه الإسلام ، وتلا عليه القرآن قال : فو الله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلّم ، لتسهّل (١) وجهه ، ثم قال : أحسن هذا ، وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له : تطهّر وتطهّر ثيابك ، وتشهد شهادة الحقّ وتركع ركعتين ، فقام ففعل ، ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه.
فلمّا رآه رجال بني عبد الأشهل قالوا : نقسم بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؟ فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل ، أيّ رجل تعلمون فيكم؟ قالوا : نعلمك والله خيرنا وأفضلنا ، أيمننا نقيبة ، وأفضلنا (٢) رأيا : قال : فإن كلام نسائكم ورجالكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله وحده ، وتصدقوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
فو الله ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني الأشهل رجل ولا امرأة إلّا مسلم [ومسلمة](٣).
قرأت على أبي الغالب بن (٤) البنّا عن أبي إسحاق البرمكي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، أنا محمد بن سعد (٥) ، أنا محمد بن عمر أخبرنا (٦) إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : كان إسلام أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير العبدري (٧) في يوم واحد. تقدم أسيد سعدا في الإسلام بساعة ، وكان مصعب بن عمير قد قدم المدينة قبل السبعين أصحاب العقبة الآخرة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلمهم القرآن ويفقههم في
__________________
(١) ابن هشام : لإشراقه وتسهله.
(٢) الأصل : «وأفضلنا فينا رأيا» والمثبت يوافق عبارة ابن هشام.
(٣) زيادة عن ابن هشام.
(٤) بالأصل «إنّ» خطأ.
(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٠٤.
(٦) عن ابن سعد وبالأصل «بن».
(٧) هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، أبو عبد الله ، من جلة الصحابة وفضلائهم (انظر الاستيعاب ـ الروض الأنف).