يؤيس (١) منه. قد ترك نفسه من ثلاث (٢) : كان لا يذم (٣) أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلّا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، وإذا تكلم سكتوا وإذا سكت تكلموا ، لا يسارعون عنده الحديث. من تكلم نصتوا له حتى يفرغ. حديثهم عنده حديث إليهم يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون (٤) منه ، ويصبر الغريب على الجفوة في المنطق. ويقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه ، ولا يقبل الثناء إلّا من يكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه (٥) فيقطعه بانتهاء أو قيام.
قلت فكيف كان سكوته عليه الصّلاة والسّلام؟ قال :
كان سكوته عليه الصلاة والسلام على أربع : على الحكم (٦) ، والحذر ، والتقدير (٧) ، والتفكّر (٨).
فأما التقدير (٧) ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس.
وأمّا تفكره ففيما يفنى ويبقى وجمع له [صلىاللهعليهوسلم الحلم والصبر](٩) ، فكان لا يغصبه شيء ولا يستفزه. وجمع له في الحذر أربع : أخذ بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهي عنه ، واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة [٧١٤].
قال : أنبأنا إسماعيل بن محمد حين فرغنا من سماع هذا الحديث منه : حدثنا به
__________________
(١) بالأصل وخع : «يونس» والمثبت في الدلائل ، وبعدها في البيهقي : ولا يحبب فيه.
(٢) كذا بالأصل وخع وفي دلائل البيهقي ١ / ٢٩١ بعدها : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ؛ وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم ...
(٣) بالأصل وخع : «أحد».
(٤) الأصل وخع : «يعجبون» والمثبت عن الدلائل.
(٥) بالأصل وخع : يحوزه.
(٦) كذا بالأصل وخع ، وفي الدلائل البيهقي : «الحلم».
(٧) عن الدلائل ، وبالأصل وخع «التقرير».
(٨) عن الدلائل ، وبالأصل وخع : «والتلقن» وفي رواية أخرى في الدلائل : «والتفكير» وفي المطبوعة السيرة ١ / ٢٩١ «والفكر».
(٩) ما بين معكوفتين عن دلائل البيهقي ، ومكانها بالأصل : الحكم الصلاة والسلام.