وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة : اتّق الله في السر والعلانية ، فإنه من يتّق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتّق الله يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجرا. فإنّ تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله ، إنك في سبيل من سبل (١) الله لا يسعك فيه الإذهان (٢) والتفريط ولا والغفلة عما فيه قوام دينكم ، وعصمة أمركم ، فلا تن ولا تفتر. وكتب إليهما : استخلفا على أعمالكما ، واندبا من يليكما.
فولّى عمرو على علياء قضاعة عمرو بن فلان العذري ، وولّى الوليد على ضاحية قضاعة مما يلي دومة امرأ القيس ، وندبا الناس ، فتضامّ إليهما بشر كثير وانتظرا أمر أبي بكر.
وقام أبو بكر في الناس خطيبا فحمد الله وصلّى على رسوله صلىاللهعليهوسلم وقال : ألا إن لكلّ أمر جوامع ، فمن بلغها فهو حسبه ومن عمل لله عزوجل كفاه الله عليكم بالجد والقصد ، فإن القصد أبلغ ، إلّا أنه لا دين لأحد لا إيمان معه ولا أجر لمن لا حسبة له ، ولا عمل لمن لا نية له. ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به هي النجاة (٣) التي دل الله عليها ونجّى بها من الخزي وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة.
فأمد عمرا ببعض من انتدب إلى من اجتمع إليه ، وأمّره على فلسطين ، وأمره بطريق سمّاها له ، وأتى الوليد فأمره بالأردن ، وأمدّه ببعضهم ودعا يزيد بن أبي سفيان ، فأمّره على جند عظيم ، هم جمهور من انتدب له ، وفي جنده سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة ، وشيعه ماشيا. فقال يزيد : يا خليفة رسول الله أتمشي وأنا راكب فأبى عليه وقال : إني أحتسب خطاي في سبيل الله.
قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة السلمي ، عن عبد العزيز بن أحمد التميمي ، أنا أبو نصر محمد بن أحمد بن هارون بن الجندي وأبو القاسم عبد الرّحمن بن الحسين بن الحسن بن أبي العقب ، قالا : أنا أبو القاسم علي بن
__________________
(١) قوله : «من سبل» سقطت من الأصل ، واستدركت عن الطبري وخع ، وعلى هامش الأصل «سبيل من» في محاولة تصحيح العبارة.
(٢) يقال : ذهن عن الشيء ، وأذهنه عنه ، أنساه إياه وألهاه عنه.
(٣) في الطبري : التجارة.