والخلاصة : إنه تعالى يمتنّ على عباده المؤمنين بذكر النعم التي أنعم بها عليهم ، إذ صرف عنهم أعداءهم حين تألبوا عليهم وتحزبوا عام الخندق.
(وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) أي وكان الله عليما بجميع أعمالكم من حفركم للخندق ، وترتيب وسائل الحرب لإعلاء كلمته ، ومقاساتكم من الجهد والشدائد ما لا حصر له ، بصيرا بها لا يخفى عليه شىء منها ، وهو يجازيكم عليها «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».
ثم زاد الأمر تفصيلا وبيانا ، فقال :
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي حين جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي من جهة المشرق ، وكانوا من غطفان ، ومن تابعهم من أهل نجد ، ومن بنى قريظة والنضير من اليهود ، ومن أسفله من قبل المغرب ، وكانوا من قريش ، ومن شايعهم من الأحابيش ، وبنى كنانة وأهل تهامة.
(وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) أي وحين مالت الأبصار عن سننها ، وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة ، وخاف الناس خوفا شديدا ، وفزعوا فزعا عظيما ، وظنوا مختلف الظنون ، فمنهم مؤمن مخلص يستنجز الله وعده فى إعلاء دينه ونصرة نبيه ، ويقول : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، ومنهم منافق وفى قلبه مرض يظن أن محمدا وأصحابه سيستأصلون ، ويستولى المشركون على المدينة ، وتعود الجاهلية سيرتها الأولى ، إلى نحو ذلك من ظنون لا حصر لها تجول فى قلوب المؤمنين والمنافقين ، على قدر ما يكون القلب عامرا بالإخلاص مكتوبا له السعادة أو متشككا فى اعتقاده ليست له عزيمة صادقة.
ثم ذكر أن هذه الشدائد محّصت المؤمنين ، وأظهرت المنافقين.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أي حين ذاك اختبر الله المؤمنين ومحصنهم أشد التمحيص ، فظهر المخلص من المنافق ، والراسخ الإيمان من المتزلزل ، واضطربوا اضطرابا شديدا من الفزع وكثرة العدو.