روى يحيى بن جابر الطائي عن غضيف بن الحارث قال : «جلست إلى عبد الله ابن عمرو بن العاصي ، فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه ، فيقول : يا بن آدم ما غرّك بي؟ ألم تعلم أنى بيت الوحدة؟ ألم تعلم أنى بيت الظلمة؟ ألم تعلم أنى بيت الحق؟ يا بن آدم ما غرك بي؟ لقد كنت تمشى حولى فدّادا (ذا خيلاء وكبر)». وفى الحديث : «من جرّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة».
ثم ذكر علة هذا النهى بقوله :
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي إن الله لا يحب المختال المعجب بنفسه ، الفخور على غيره ، ونحو الآية ما مر من قوله : «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً».
(٣) (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي وامش مشيا مقتصدا ليس بالبطىء المتثبّط ، ولا بالسريع المفرط ، بل امش هونا بلا تصنع ولا مراءاة للخلق ، بإظهار التواضع أو التكبر.
روى عن عائشة أنها نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتا ، فقالت : ما لهذا؟ فقيل : إنه من القرّاء (الفقهاء العالمين بكتاب الله) قالت : كان عمر سيّد القراء ، وكان إذا مشى أسرع ، وإذا قال أسمع ، وإذا ضرب أوجع.
ورأى عمر رجلا متماوتا ، فقال له : لا تمت علينا ديننا ، أماتك الله. ورأى رجلا مطأطئا رأسه ، فقال له : «ارفع رأسك ، فإن الإسلام ليس بمريض».
(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي وانقص منه وأقصر ، ولا ترفع صوتك حيث لا يكون إلى ذلك حاجة ، لأنه أوقر للمتكلم ، وأبسط لنفس السامع وفهمه.
ثم علل النهى وبيّنه بقوله :
(إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أي إن أبشع الأصوات وأقبحها برفعها فوق