أخبار كثيرة لا نطول الكتاب بذكرها ، يعرفها العارف المتأمّل.
وأورد في «المدارك» على الاستدلال بالآية بأنّ غاية ما يستفاد منها ترتّب الأمر بالوضوء على إرادة القيام ، والإرادة تتحقّق قبل الوقت أيضا ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة لها ، وإلّا لما كان الوضوء واجبا في أوّل الوقت على من أراد الصلاة في آخره (١).
وهذا الاعتراض فاسد من وجوه :
الأوّل : أنّه مبني على أخذ هذا القيام ؛ القيام الذي هو جزء الصلاة ، فاحتيج إلى تقدير الإرادة ، لأنّ الوضوء يجب قبل الصلاة قطعا ، لا بعد ما يتحقّق القيام الذي هو جزء الصلاة ، وهذا الأخذ فاسد جزما ، إذ فرق بيّن بين القيام إلى شيء والقيام الذي هو في الشيء. والآية صريحة في الأوّل ، ولا يقام إلى الشيء إلّا وقت تأتّي ذلك الشيء ، وجواز حصوله عند القيام إليه ، وهذا أيضا لا سترة فيه ، فهو تعالى يقول : إذا قمتم إلى فعل الصلاة وإيجاده ، فتوضّأوا أوّلا ثمّ أوجدوا. ومن بديهيّات الدين أنّه لا يقام إلى إيجاد الصلاة إلّا بعد دخول وقتها ، مع أنّه لو أنكر منكر هذا البديهي ، فكيف يمكنه النقض المذكور؟ فتأمّل جدّا!
ومن موانع أخذه الفاسد ، أنّ الوضوء وجوبه لنفس الصلاة لا للقيام الذي هو جزؤها ، ويلزم ممّا ذكره دلالة هذه الآية على عدم وجوب الوضوء لصلاة القاعد والنائم والمنحني ، وهو بديهي البطلان.
ومن موانعه أيضا جعل لفظ «القيام» هذا مجازا في إرادة القيام ، إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، وجعل المراد منه نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ ، فكيف يصير لفظ واحد مستعملا باستعمال واحد في معنيين مجازيين؟ كلّ
__________________
(١) مدارك الأحكام : ١ / ١٠.