وليس الأمر كما ذكر ، إذ كثيرا ما لا تكون العلّة الغائيّة والداعى إلى صدور شيء منّا مخطر ببالنا ومدّ نظرنا ، بل تكون في أوائل الحافظة أو الخيال ، ومع ذلك يؤثر أثرا بيّنا ظاهرا سديدا محكما ، مثل ما صدر عن المخطر بالبال من دون تفاوت أصلا ، بل قلّما يصدر عن المخطر ، لما ذكرت من قوله تعالى (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١).
ولما تعرف من الوجدان والمشاهدة ، من أنّ الأمر الذي يكون ذا أجزاء كثيرة لا يتحقّق من المخطر إلّا الجزء الأوّل ، وباقي الأجزاء تحدث من الموجود في أوائل الحافظة ، بل كثيرا ما لا يصدر ذو الأجزاء بأجمعه عن المخطر ، بل يصدر عن الداعي.
ألا ترى! أنّا بعد تسليم الصلاة والخروج عنها نشتغل بالتعقيبات ، مثل تسبيح الزهراء عليهاالسلام وغيرها من الأدعية الطويلة ، والأذكار الكثيرة ، وقراءة الآيات المقرّرة في التعقيب ، من دون إخطار واحد ممّا ذكر ببالنا.
مثلا نبادر بأخذ السبحة والشروع في التسبيح ، من دون أن يخطر ببالنا ما يخطر في أوّل الصلاة ، من صورة الصلاة وأجزائها إجمالا ، وكون فعلها امتثالا له تعالى أو قربة إليه. إلى غير ذلك ، مثل الوجوب أو الاستحباب ، وغير ذلك ، فإنّا نبادر في الشروع بتسبيح الزهراء عليهاالسلام ـ مثلا ـ من دون إخطار أنّ هذه تسبيحة الزهراء عليهاالسلام نأتي بها لاستحبابها قربة إلى الله.
وكذلك الحال في كلّ دعاء دعاء ، وذكر ذكر ، وتسبيح تسبيح ، إلى آخر تعقيباتنا ، وربّما نعقّب بعد الفراغ من صلاة الصبح إلى الضحى ـ مثلا ـ كذلك ، لسنا في كلّ دعاء دعاء ، وذكر ذكر ، نتوجّه قبل الشروع إلى إخطار صورته ، وكون
__________________
(١) الأحزاب (٣٣) : ٤.