ثمّ لا يخفى أنّ المراد لو كان هذا المعنى لنقل عنه عليهالسلام بيانا ولوصل إلينا البتة ، لكونه مما يعمّ به البلوى ، ويشتدّ إليه الحاجة ، ولاستدلّ به على عدم الإسراف ، ولا قال أحد به ، فتأمّل!
وأمّا على قراءة النصب ؛ فلأنّه معطوف على محلّ (بِرُؤُسِكُمْ) ومثله معروف كثير شائع في القرآن وغيره.
وعطفه على (وُجُوهَكُمْ) ، مع انقطاعه عنه بالفصل ، بقوله (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) والعدول عن العامل والمعطوف عليه القريبين إلى البعيدين في جملة اخرى بعيد جدّا غير معروف ولا مجوّز ، سيّما مع عدم المقتضى هنا ، كما لا يخفى.
هذا ؛ فيدلّ على المطلب ودلالة الآية عليه صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : ألا تخبرني من أين علمت؟ وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين؟ فضحك ، ثمّ قال : «يا زرارة! قاله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونزل به الكتاب من الله تعالى يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ، ثمّ قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ، ثمّ فصّل الكلامين فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين ما قال (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح ببعضها» الحديث (١).
والأخبار الدالّة على ذلك مستفيضة جدّا ، بل كادت تبلغ التواتر.
منها : الأخبار الكثيرة التي روتها العامّة في المنع عن المسح على الخفّين (٢) ،
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٣٠ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٦ الحديث ٢١٢ ، علل الشرائع : ٢٧٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٦١ الحديث ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٢ الحديث ١٠٧٣.
(٢) الموطّأ : ١ / ٣٦ الحديث ٤٢ ، التفسير الكبير للرازي : ١١ / ١٦٦.