والطب الحديث] والحكمة فى تبديل جلود الكفار ، أن أعصاب الألم هى فى الطبقة الجلدية ، وأما الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف ، ولذلك يعلم الطبيب أن الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا ، بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة ، لأنه مع شدته وخطره لا يحدث ألما كثيرا ، فالله يقول لنا إن النار كلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب نجدده كى يستمر الألم بلا انقطاع ، ويذوقوا العذاب الأليم ، وهنا تظهر حكمة الله قبل أن يعرفها الإنسان ، وكان الله عزيزا حكيما اه.
ثم ذكر السبب فيما تقدم فقال :
(لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم لهم ذوق العذاب ، لأن الإحساس يصل إلى النفس بواسطة الحياة فى الجلد ، وفى هذا إزالة لوهم ربما يعرض لبعض الناس قياسا على ما يعهدون فى أنفسهم فى الدنيا من أن الذي يتعود الألم يقلّ شعوره به ويصير عاديا عنده ، كما يشاهد فى كثير من الآلام والأمراض التي يطول أمدها.
وفى التعبير بيذوقوا إيماء إلى أن إحساسهم بذلك العذاب يكون كإحساس الذائق المذوق لا يدخل فيه نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق.
ثم أكد سابق الكلام وبين علته فقال :
(إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إنه تعالى عزيز قادر لا يمتنع عليه شىء مما توعد به أو وعد ، حكيم يعاقب من يعاقبه وفق الحكمة ، ومن حكمته أن ربط الأسباب بالمسببات فلا يستطيع أحد أن يغلبه على أمره فيبطل اطرادها ، فهو كما جعل الكفر والمعاصي سببا للعذاب كما تقدم فى الآية ، جعل الإيمان والعمل الصالح سببا للنعيم ، وذلك ما بينه بقوله :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي إن الذين آمنوا بالله وصدقوا برسوله سيدخلون جنات يتمتعون بنعيمها العظيم كفاء ما أخبتوا إلى ربهم وقدّموا من عمل صالح ، لأن الإيمان وحده