الخلقة قال تعالى : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» أي إنه يراد به تغيير الفطرة الإنسانية عما فطرت عليه من الميل إلى النظر والاستدلال وطلب الحق وتربيتها وتعويدها الأباطيل والرذائل والمنكرات ، فالله قد أحسن كل شىء خلقه ، وهؤلاء يفسدون ما خلق الله ويطمسون عقول الناس.
والخلاصة ـ إن الدين الفطري الذي هو من خلق الله وآثار قدرته ليس هو مجموع الأحكام التي جاء بها الرسل ليبلغوها للناس ، بل هو ما أودعه الله فى فطرة البشر من توحيده والاعتراف بقدرته وجلاله ، وهو ما أشار إليه فى الحديث «كل مولود يولد على الفطرة».
ومن أهم أسس هذا الدين الفطرية العبودية للسلطة الغيبية التي تنتهى إليها الأسباب ، وتقف دون الوصول إلى حقيقتها العقول.
(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) أي ومن يتبع الشيطان ووسوسته وإغواءه وهو البعيد من أسباب رحمة الله وفضله ، فقد خسر خسرانا ظاهرا فى الدنيا والآخرة ؛ إذ أنه يكون أسير الأوهام والخرافات ، يتخبط فى عمله على غير هدى ، ويفوته الانتفاع التام بما وهبه الله من العقل والمواهب الكسبية التي أوتيها الإنسان وميّز بها من بين أصناف الحيوان.
(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) فيعد الناس الفقر إذا هم أنفقوا شيئا من أموالهم فى سبيل الله ، ويوسوس لهم بأن أموالهم تنفد أو تقلّ ويصبحون فقراء أذلاء ، ويعدهم الغنى والثروة حين الإغراء بالقمار ، ويعد من يغريه بالتعصب لرأيه وإيذاء مخالفه فيه من أهل دينه للجاه والشهرة وبعد الصيت.
ويؤيد هذه الوعود بالأمانى الباطلة يلقيها إليهم.