يأكلون أموال الناس بغير مقابل لها من عين أو منفعة ، ولكن كلوها بالتجارة التي قوام الحل فيها التراضي ، وذلك هو اللائق بأهل المروءة والدين إذا أرادوا أن يكونوا من أرباب الثراء.
وفى الآية إيماء إلى وجوه شتى من الفوائد :
١) أن مدار حل التجارة على تراضى المتبايعين ، فالغشّ والكذب والتدليس فيها من المحرمات.
٢) أن جميع ما فى الدنيا من التجارة وما فى معناها من قبيل الباطل الذي لا بقاء له ولإثبات ، فلا ينبغى أن يشغل العاقل عن الاستعداد للآخرة التي هى خير وأبقى.
٣) الإشارة إلى أن معظم أنواع التجارة يدخل فيها الأكل بالباطل ، فإن تحديد قيمة الشيء وجعل ثمنه على قدره بالقسطاس المستقيم يكاد يكون مستحيلا ، ومن ثم يجرى التسامح فيها إذا كان أحد العوضين أكبر من الآخر ، أو إذا كان سبب الزيادة براعة التاجر فى تزيين سلعته ، وترويجها بزخرف القول من غير غش ولا خداع ، فكثيرا ما يشترى الإنسان الشيء وهو يعلم أنه يمكنه شراؤه من موضع آخر بثمن أقلّ ، وما نشأ هذا إلا من خلابة التاجر وكياسته فى تجارته ، فيكون هذا من باطل التجارة الحاصلة بالتراضي فيكون حلالا.
والحكمة فى إباحة ذلك ، الترغيب فى التجارة ، لشدة حاجة الناس إليها ، والتنبيه إلى استعمال ما أوتوا من الذكاء والفطنة فى اختيار الأشياء ، والتدقيق فى المعاملة ، حفظا للأموال حتى لا يذهب شىء منها بالباطل ، أي بدون منفعة تقابلها.
فإذا ما وجد فى التجارة الربح الكثير بلا غش ولا تغرير ، بل بتراض من الطرفين لم يكن فى هذا حرج ، ولولا ذلك ما رغب أحد فى التجارة ، ولا اشتغل بها أحد من أهل الدين ، على شدة حاجة العمران إليها ، وعدم الاستغناء عنها.