ولكونه كان يوم الطف بوّاباً على خيمة الحسين عليهالسلام ، وكان لحبيب أولاد ثلاثة : محمد وعبدالله والقاسم أكبرهم ، ولمّا أن سمعت زوجته بقدوم السبايا وأنّهم دخلوا الكوفة دعت ولدها القاسم وقالت له : ولدي إنطلق الى السبايا وقل لهم إنّ أُمي تقول : أبي حبيب بيّض وجوهنا أم لا؟
فأقبل الغلام حتى قرب من السبايا فرأى رأس أبيه معلّق بلبان الفرس ، فجعل يصرخ ويبكي ، ثم أقبل على الموكل برأس أبيه وقال له : إدفع لي هذا الرأس وأنا إعطيك مقداراً من الدنانير.
فقال اللعين : إنّ جائزة الأمير خير لي. ولمّا قاربوا دار حبيب رفع الغلام حجراً وضرب رأسه ، ودخل على اُمّه باكياً يصيح : اُمّاه قومي واستقبلي رأس أبي. فخرجت أُمّه ولما رأت رأس زوجها معلق بلبان الفرس صاحت : حبيب بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند الزهراء عليهالسلام.
ويروى أنّ القاسم سأل عن قاتل أبيه فعرّفوه ، فجعل يتربّص به الدوائر مدّة من الزمن إلى زمن مصعب بن الزبير ، فلمّا غزا مصعب باجميرا (١) جاء القاسم ودخل في معسكر مصعب ، فإذا قاتل أبيه في فسطاطه نائماً فجثى القاسم على صدره فانتبه اللعين ، فقال له القاسم : أتعرفني من أنا؟ قال : لا ، قال : أنا ابن حبيب بن مظاهر ، فعرفه ، ثم إن القاسم إحتزّ رأسه وأقبل به حتى دخل على مصعب بن الزبير فوقف أمامه وقال له : إعلم يا أمير ما نامت عيناي منعمة إلي إن أخذت ثاري
__________________
(١) باجمير الباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة والراء المهملة والألف المقصورة موضع من أرض الموصل كان مصعب ابن الزبير يعسكر في محاربه عبدالملك بن مروان حين يقصده من الشام أيّام منازعتهما في الخلافة. انظر معجم البلدان : ١ / ٣١٤.