__________________
لنا : تكرّر العمل به كثيراً من الصحابة والتابعين شائعاً ذائعاً من غير نكير ...
قد ثبت جواز التعبّد بخبر الواحد ، وهو واقع ، بمعنى أنّه يجب العمل بخبر الواحد ، وقد أنكره القاساني والرافضة وابن داود ، والقائلون بالوقوع قد اختلفوا في طريق إثباته ، والجمهور على أنّه يجب بدليل السمع ، وقال أحمد والقفّال وابن سريج وأبو الحسين البصري بدليل العقل.
لنا : إجماع الصحابة والتابعين ؛ بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد ، وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى ، وقد تكرّر ذلك مرّة بعد أُخرى ، وشاع وذاع بينهم ، ولم ينكر عليهم أحد ، وإلاّ نُقل ، وذلك يوجب العلم العادي باتّفاقهم كالقول الصريح ، وإنْ كان احتمال غيره قائماً في كلّ واحد واحد ؛ فمن ذلك : أنّه عمل أبو بكر بخبر المغيرة في ميراث الجدّة ، وعمل عمر ... وعمل الصحابة بخبر أبي بكر : (الأئمّة من قريش) ، و (الأنبياء يُدفنون حيث يموتون) ، و (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).
إلى غير ذلك ممّا لا يجدي استيعاب النظر فيه إلاّ التطويل».
وقال الرازي : «المسلك الرابع : الإجماع ، العمل بخبر الواحد الذي لا يُقطع بصحّته مجمَع عليه بين الصحابة ، فيكون العمل به حقاً.
إنّما قلنا : (مجمَع عليه بين الصحابة) ؛ لأنّ بعض الصحابة عمل بالخبر الذي لا يُقطع بصحّته ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكارٌ على فاعله ، وذلك يقتضي حصول الإجماع.
وإنّما قلنا : (إنّ بعض الصحابة عمل به) ؛ لوجهين :
الأوّل : وهو أنّه روي بالتواتر ، أنّ يوم السقيفة لمّا احتجّ أبو بكر (رضي الله عنه) على الأنصار بقوله عليه الصلاة والسلام : (الأئمّة من قريش) ، مع أنّه مخصّصٌ لعموم قوله تعالى : (أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ) ، قبلوه ولم ينكر عليه أحد ...
الثاني : الاستدلال بأُمور لا ندّعي التواتر في كلّ واحد منها ، بل في مجموعها.
وتقريره : أن نبيّن أنّ الصحابة عملوا على وفق خبر الواحد ، ثمّ نبيّن أنّهم إنّما عملوا به لا بغيره.