وكيف يسبه وقد علم أنّ من سبه سب الله ورسوله (١)؟!
اللّهمّ إلاّ أن يكون كافراً مخالفاً لِما عُلم وثبت بالضرورة! والعبّاس أجلّ قدراً وأعلى شأناً من ذلك ، فلا بُد أن يكون هذا القول مكذوباً على العبّاس من المنافقين الّذين يريدون سب الإمام الحقّ ، ووضعوا هذا الحديث لإصلاح حال أبي بكر وعمر من دون فهم ورويّة!
وأما حديث أبي هريرة ـ الذي استدلّ به الخصم ـ لعدم تفرّد أبي بكر ، فهو من الكذب المجمَع عليه ؛ لمخالفته لمذهبنا كما هو ظاهر ، ولمذهبهم ؛ لأنّهم يزعمون أنّ ما تركه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صدقةٌ كلُّه ، فلا وجهَ لاستثناء نفقة نسائه.
وليس هذا الكذب إلاّ من أبي هريرة ؛ تزلّفاً لأهل الخلاف بلا معرفة (٢).
__________________
(١) راجع تفصيل ذلك في : ج ٦ / ٤٣٢ هـ ٣ ، من هذا الكتاب.
(٢) نقول : إنّ علماء الجمهور ـ من المحدّثين والأُصوليّين والمتكلّمين ـ قد اتّفقوا على أنّ هذا الخبر قد تفرّد أبو بكر بروايته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ وتصريحهم بذلك هو ردٌّ ونقض لكلام أبي هريرة ، وفي ما يلي جملة من نصوص عباراتهم المشتملة على إقرارهم بذلك :
قال الحافظ السيوطي : «أخرج أبو القاسم البغوي وأبو بكر الشافعي في (فوائده) وابن عساكر ، عن عائشة ، قالت : اختلفوا في ميراثه (صلى الله عليه وسلم) ، فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».
وقال ابن حجر الهيتمي المكّي : «اختلفوا في ميراث النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ، فما وجدوا عند أحد في ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله ...».
وقال القاضي عضد الدين الإيجي : «يجب العمل بخبر الواحد العدل خلافاً للقاساني و ...