إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة وردّ عليهم السرير وأخذ الباقي ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعين عليه ، وشاع فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلك فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنّة شيخين يُعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدثين إليها وأمر أن يقرأَ بها فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض في ذلك ، وأطلق صلاة التراويح والضحى ، وغيَّر الأذان وجعل مكان «حيّ على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» ، وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص وصلّى فيه الضحى ، وأظهر الميل إلى مذهب مالك والقول به .. وأقام على ذلك ثلاث سنين ، وفعل ما لم يفعله أحد.
ثمّ بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الانطاكي والشيخ الآخر وخَلقاً كثيراً من أهل السنّة ، لا لأمر يقتضي ذلك ، وفَعَلَ ذلك كلّه في يوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جميع ما كان فعله (١).
وقال المقريزي في (المواعظ والاعتبار) : ... وفي صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة بعد أن ضربوا بسبب بيع الفقاع والملوخيا (٢) والدلينس والترمس ، وفي تاسع عشر
__________________
(١) النجوم الزاهرة ٤ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٢) لانه كان قد قرئ في سنة ٣٩٥ سِجِلٌّ فيه منع الناس من تناول الملوخيا أكلة معاوية ابن أبي سفيان المفضَّلة ومنعهم من أكل البقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة ومن المتوكّلية المنسوبة إلى المتوكّل ، والمنع من عجين الخبز بالرِّجل ، والمنع من أكل الدلينس ، وكان في هذا الكتاب أيضاً : المنع من عمل الفقاع وبيعه في الأسواق ، لما يؤثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كراهية شرب الفقاع ، وضرب في الطرقات والأسواق بالجرس ونودي أن لا يدخل أحد الحمام إلاّ بمئزر ، ولا تكشف امراة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاده أحد من الصيادين. (المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤١).