وأنت خبير بأنّ هذه الحجّة ـ مع مخالفة مدلولها للأصحاب ـ إنما تستلزم غَسل ما لا شعر فيه من الوجه ؛ لعدم انتقال الاسم عنه ، لا وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر الذي هو المتنازع ، فدليله لا يطابق مدّعاه.
واعلم أنّ الخلاف إنّما هو في وجوب تخليل البشرة التي تحت الشعر الخفيف ، المستورة به ، أمّا ما كان منها مرئيّاً بين الشعر فيجب غَسله قطعاً ؛ لعدم انتقال اسم الوجه عنه.
(و) يجب (غَسل اليدين) مبتدئاً فيهما وجوباً (من المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ، سُمّيا بذلك ؛ لأنّه يرتفق بهما في الاتّكاء ونحوه (إلى أطراف الأصابع) لما تقدّم في الوجه.
(ويُدخل المرفقين في الغَسل) إجماعاً منّا ومن أكثر مخالفينا إمّا لأنّ إلى في الآية (١) بمعنى «مع» وهو كثير ، كقوله تعالى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٢) أو لأنّ الغاية تدخل في المغيّا حيث لا مفصل محسوس ، أو لدخول الحدّ المجانس في الابتداء والانتهاء ، مثل بعت الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف.
والوضوء البيانيّ أوضح دلالةً في ذلك ؛ فإنّهُ صلىاللهعليهوآله أدار الماء على مرفقيه مبتدئاً بهما ثمّ قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. (٣)
وبالجملة ، فوجوب غسل المرفق لا خلاف فيه ، إنّما الخلاف في سبب الوجوب هل هو النصّ؟ كما تقدّم ، أو الاستنباط من باب مقدّمة الواجب بجَعل إلى للغاية؟ وهي لا تقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه ؛ لورودها معهما.
أمّا الدخول : فكقولك حفظت القرآن من أوّله إلى آخره ومنه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.) (٤) وأمّا الخروج : فك (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٥) و (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٦) وحينئذٍ
__________________
(١) المائدة (٥) : ٦.
(٢) آل عمران (٣) : ٥٢.
(٣) أورده الشهيد في الذكرى ٢ : ١٣١.
(٤) الإسراء (١٧) : ١.
(٥) البقرة (٢) : ١٧٨.
(٦) البقرة (٢) : ٢٨٠.