مقدور ، كما حقّق في الأُصولَين.
(و) عدم (استدبارها) بالمعنى المذكور في الاستقبال ؛ لقوله صلىاللهعليهوآله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرّقوا أو غرّبوا (١) والنهي للتحريم ، والأمر للوجوب.
وهذا الحكم والخبر مطلقان يتناولان الفعل (في الصحاري) بفتح الراء على الأفصح ، جمع صحراء ، كعذراء وعذارى. وربما كُسرت في لغة قليلة. وهي البرّيّة ، والمراد بها هنا ما خرج عن البنيان (و) في (البنيان) فيحرم فيهما ؛ لعدم دليلٍ يقيّد المطلق.
وخالف ابنُ الجنيد فيهما معاً ، وإنّما استحبّ ترك الاستقبال في الصحراء خاصّة ، (٢) وسِرُ في البنيان ، وإنّما جعل تجنّبه أفضل. (٣)
واختلف النقل عن المفيد في ذلك ، فنقل عنه المصنّف في المختلف كراهة الاستقبال والاستدبار معاً في الصحاري والمواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة ، وعدمها في دارٍ قد بُني فيها المقعد على استقبال القبلة أو استدبارها. (٤)
قال المصنّف بعد حكاية ذلك عنه : وهذا الكلام يُعطي الكراهة في الصحاري ، والإباحة في البنيان. (٥)
قلت : وفي إعطائه ذلك نظر واضح.
ونقل الشهيد رحمهالله في الذكرى عن المفيد الكراهة في الصحاري ، دون البنيان ، (٦) وأطلق.
ويفهم من الدروس (٧) أنّ المفيد إنّما خالف في التحريم في الأبنية خاصّةً. والظاهر أنّه سهو إلا بتقدير حمله على أنّه عمل بالمفهوم ، فمخالفته في الأبنية لا تدلّ على عدم مخالفته في الصحاري ؛ فإنّ العمل بالمفهوم ضعيف ، لكن لا يخفى أنّه خلاف الظاهر.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٥ / ٦٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٧ / ١٣٠.
(٢) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ١٢٢ ؛ والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦.
(٣) المراسم : ٣٢.
(٤) مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦ ؛ وانظر : المقنعة : ٤١.
(٥) مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦.
(٦) الذكرى ١ : ١٦٣.
(٧) الدروس ١ : ٨٨.