وفرّق الشهيد
في الدروس بين دائم النبع وغيره ، فلم يشترط الكُرّيّة في الأوّل وشرطها في الثاني
، فعنده الشرط في الجاري أحد الأمرين : إمّا الكُرّيّة ، أو دوام النبع ،
وتبعه الشيخ جمال الدين ابن فهد في الموجز . ونحن نطالبهما بدليلٍ شرعيّ على ذلك.
(فإن تغيّر) بعض الجاري (نجس المتغيّر خاصّةً) دون ما فوقه وما تحته وما حاذاه ، إلا أن ينقص ما تحته
عن الكُرّ ويستوعب التغيّر عمود الماء ، وهو خط ممّا بين حافّتيه عرضاً وعمقاً ،
فينجس ما تحت المتغيّر أيضاً ؛ لتحقّق الانفصال.
وعلى القول
باشتراط الكُرّيّة أو كان الجاري لاعن مادّة ولاقته نجاسة ، لم ينجس ما فوقها
مطلقاً ولا ما تحتها إن كان جميعه كُرّاً إلا مع تغيّر بعض الكُرّ ، فينجس الأسفل
، أو استيعاب التغيّر ما بين الحافّتين ، فيشترط في طهارة الأسفل كُرّيّته ، كذا
فصّله جماعة من المتأخّرين.
واعلم أنّ في
هذا المقام بحثاً وفي كلام القوم في هذا التفصيل اضطراباً. وتحرير المقام : أنّ
النصوص الدالّة على اعتبار الكثرة مثل : قوله عليهالسلام إذا بلغ الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكُرّ المجتمع بكون
سطوحه مستويةً ، بل هو أعمّ منه ومن المختلف كيف اتّفق.
وقد ذكره
المصنّف في كُتبه وغيرُه في عدّة مسائل ، كهذه المسألة ، ومسألة الغديرين الموصول
بينهما بساقية ، ومسألة القليل الواقف إذا اتّصل بالجاري ، فإنّه حكم باتّحاد حكم
الغديرين مع الساقية ، فمتى كان المجموع كُرّاً ، لم ينفعل بالملاقاة ،
ومثله في القليل المتّصل بالجاري.
ومقتضى هذا
الإطلاق الموجود في النصّ والفتوى : أنّ كـ من العالي والسافل يتقوّى بالآخر.
وتفصيلهم هذا
الذي حكيناه في أوّل المسألة صريح فيه ؛ فإنّهم حكموا فيه بأنّه متى
__________________