المعهود من مذهبه أيضاً.
ويمكن حمله على التفصيل باستعمال الأولويّة في القدر المشترك بين الراجح المانع من النقيض وغير المانع ، (١) وأقلّ أحوال استعمال المشترك في معنييه أنّه مجاز. أو كون التأخير أولى بالنظر إلى جميع أفراده ، وذلك لا ينافي وجوب بعضها ، كما في استحباب الإقامة بمنى أيّام التشريق مع (٢) وجوب إقامة بعضها.
وعلى كلّ حال فالقول باعتبار التضيّق مطلقاً أقوى ؛ للنصّ (٣) والإجماع والشهرة والاحتياط.
وما ورد من الأخبار (٤) التي استدلّ بها مُجوّز التقديم لم يدلّ نصّاً على جواز التقديم ، بل على إمكان وقوعه ، ونحن نقول به ، فإنّ المعتبر في الضيق الظنّ ، فلو انكشف خلافه ، أجزأ ؛ للامتثال ، ولمفهوم الأخبار المذكورة. وحملها على ما إذا علم أو ظنّ عدم الماء إنّما يتمّ لو دلّت على جواز التقديم نصّاً ، والتقدير عدمه ، بخلاف أخبار التضيّق ، وقد تقرّر في الأُصول أنّ ما دلّ نصّاً مرجّح على غيره مع التعارض ، وعلى ما حقّقناه لا تعارض.
ومنه يظهر ضعف حمل أخبار التضيّق على الاستحباب ترجيحاً لجانب التوسعة.
والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجّه ؛ لعدم الفائدة في التأخير على تقديره ، لكن قوّة الدليل النقلي لا تساعد عليه.
فإن قيل : ما ذكرتم من النصوص إنّما دلّت على وجوب التأخير لفاقد الماء ، ولا دلالة لها على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار ، فيرجع إلى الأدلّة الأُخرى خصوصاً مع عدم رجاء زوال العذر ، فلِمَ قلتم بوجوب التأخير مطلقاً؟
قلنا : الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر ، بل إمّا الجواز مطلقاً ، أو وجوب التأخير مطلقاً مع الرجاء أو بدونه ، فالقول بالتفصيل على هذا الوجه إحداث قولٍ مبطلٍ لما حصل عليه الإجماع. وتحقيق المسألة في الأُصول.
وهل التضيّق شرط في دوام الإباحة كما هو في ابتدائها؟ إشكال. فلو دخل الوقت على
__________________
(١) في «ق ، م» زيادة : «أو فيهما».
(٢) في «م» بدل «مع» : «و».
(٣) انظر : الهامش (٤ و ٥) من ص ٣٢٨.
(٤) انظر : الهامش (٤ و ٥) من ص ٣٢٩.