ويمكن تفسير الندبين على وجه يرفع الإشكال بأن يتوضّأ ندباً قبل السبب ثمّ يذهل عنه ويتوضّأ ندباً أيضاً ثمّ يصلّي به. وكذا مع ندب الأوّل ووجوب الثاني على تقدير الذهول عن الأوّل الواقع قبل الوقت ، فتوضّأ واجباً بعده ، أو نذر تجديد الوضوء الواقع قبل الوقت ، سواء كان قبله أم بعده مع عدم الذهول عنه.
هذا كلّه على تقدير اشتراط نيّة الوجه وعدم وجوب نيّة أحد الأمرين : الرفع أو الاستباحة ، أمّا على هذا التقدير كما هو مختار المصنّف في أكثر كتبه (١) لا يتصوّر في الواجبين بتقدير نذر التجديد ؛ لعدم نيّة أحدهما في المجدّد وإن نذر ، كما سيأتي تحقيقه ، ولا في الواجب بعد المندوب كذلك.
نعم ، يتصوّر على تقدير الذهول في الواجبين والمندوبين والواجب بعد المندوب كما سلف ، دون العكس ، إلا بتقدير توسّط صلاة بينهما ، كما لو توضّأ للصبح مثلاً وصلاها ثمّ توضّأ ندباً قبل الزوال وصلّى الظهر ثمّ ذكر الإخلال ، فإنّ الظهر واقعة بعد طهارة رافعة ظاهراً وإن وجب إعادة الصبح قطعاً. لكن في هذا الفرض إشكال يأتي تحقيقه.
والشهيد رحمهالله حكى في الشرح عن شيخه عميد الدين فَرضَ الذهول على هذا التقدير في صورة الندبين. (٢) ولا فرق بينها وبين الأُخريين.
وقال في توجيه إباحة الثاني على تقدير الذهول : ولا يرد كونه غير مكلّفٍ حالة الغفلة ؛ لأنّه غير مكلّف بالمذهول عنه وكلامنا في المذكور ، ولا كونه على حالة لو ذكر لما جزم ؛ لأنّا نعتبر جزمه حالة النيّة ، كما لو شهد العدلان ظاهراً بالهلال فصام ، فإنّه على حالةٍ لو علم فسقهما لما جزم ، وقد حكموا بصحّة صومه على تقدير ثبوت الهلال بغيرهما بعد ذلك.
ويمكن فرض الواجبين كذلك فيمن تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو تيقّنهما ولا يعلم حاله قبل زمان الطهارتين ثمّ ذكر بعد الطهارة الثانية تقدّم الحدث على الاولى ، فإنّه يسوغ له الطهارة بجزم معتبر شرعاً. (٣)
واعلم أنّه على القول بالاجتزاء بنيّة القربة تصحّ الصلاة على جميع التقادير ؛ لسلامة
__________________
(١) منها : تذكرة الفقهاء ١ : ١٤١ ؛ وقواعد الأحكام ١ : ١٠٩ ؛ ومختلف الشيعة ١ : ١٠٧ ، المسألة ٦٥ ؛ ونهاية الأحكام ١ : ٢٩.
(٢) غاية المراد ١ : ٣٨ ـ ٣٩.
(٣) غاية المراد ١ : ٣٩.