إلى الصلاة ولم يقل به أحد.
وأمّا الخبر : فهو بالدلالة على نقيض المدّعى أولى من الدلالة عليه ، وقوله فيه إنّ الوضوء لا يتبعّض
تعليل للإعادة ، فإن كان المراد به مطلق التفريق ، وجب إعادته ، وهو لا يقول به ، وإن كان المراد غير ذلك ، لم يدلّ على مطلوبه.
والظاهر أنّ المراد بالتبعيض فيه الجفاف ، كأنّه يصير بعضه جافّاً ـ وهو المتقدّم ـ وبعضه رطباً. والمراد التبعيض على هذا الوجه ، وهو مع فرض إهماله حتى يجفّ جميع ما تقدّم ، لا مطلق التبعيض.
وأمّا حديث الأمر بالاتباع : فإنّ الظاهر أنّ المراد فيه الترتيب بمعنى إتباع كلّ عضو سابقه بحيث لا يقدّمه عليه ؛ لأنّه كان في سياقه ، مع أنّ فيه جمعاً بين الأخبار. ولأنّ المتابعة بهذا المعنى لو وجبت ، لبطل الوضوء بالإخلال بها ؛ لعدم الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به. وتوهّم كونه واجباً لا شرطاً يندفع بذلك ، فيبقى في عهدة التكليف.
وأمّا متابعة الوضوء البياني فمسلّمة ، لكن لو وجب مراعاته بهذا المعنى ، لوجب علينا المطابقة بين زمان فعلنا والقدر الذي تابع فيه من الزمان ، ولم يقل به أحد ، فسقطت دلالته.
ولأنّا بيّنّا أنّه إنّما يحتجّ به مع عدم دليلٍ خارجيّ يقتضي تقييد مطلقه ، وليس هنا كذلك ؛ للأخبار الدالّة على مراعاة الجفاف ، فالأولى العمل بها واتّباع الأكثر.
واعلم أنّ المراد بجفاف المتقدّم جفاف جميع الأعضاء المتقدّمة ؛ لإطباقهم على الأخذ من اللحية ونحوها للمسح ولا بلل هنا على اليدين.
وقيل : المراد به العضو الذي انتهى إليه الغَسل ، فمتى جفّ وجب الإعادة وإن كان البلل باقياً على غيره. (١)
والمعتبر في البللِ الحسّيّ ، فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرط الرطوبة بكونه معتدلاً. ولا بتقييد بعضهم الهواء بالمعتدل ليخرج طرف الإفراط في الحرارة ؛ فإنّ زوال البلل حينئذٍ مغتفر ، كما تقدّم.
ولا فرق على تقدير الجفاف في البطلان بين العامد والناسي والجاهل ؛ لإطلاق الأخبار وإن سلم الناسي من الإثم.
__________________
(١) ابن إدريس في السرائر ١ : ١٠١.