لنبيّكم والعشيرة لابن عمّكم ، انكم كلّفتموني يا هؤلاء من قبل ان يوحى اليّ في شيء ممّا سألتم ، والآن فقد أذن لي في أجسادكم واشعاركم دون بئاركم ومياهكم ، هذا لمن كان منكم بي مؤمنا ، وامّا من كان مرتابا فإنّه لا يزيده تفلتي عليه الاّ بلاء ، فمن شاء الآن منكم فليأت لا تفل في عينه وعلى جلده ، قالوا : ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك ، انّا نخاف ان يشمت بك أهل يثرب واضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمّما لمكانة منهم.
فضحك السيد والعاقب حتّى فحصا الأرض بأرجلهما ، وقالا : ما النور والظّلام ، والحق والباطل بأشدّ تباينا وتفاوتا ممّا بين هذين الرجلين صدقا وكذبا.
قالوا : وكان العاقب أحبّ مع ما تبيّن من ذلك ان يشيّد ما فرط من تفريط مسيلمة ويؤهّل منزلته ، ليجعله لرسول الله صلىاللهعليهوآله كفّا ، استظهارا بذلك في بقاء عزّته وما طار له من السموّ في أهل ملّته ، فقال : ولإن فخر أخو بني حنيفة (١) في زعمه انّ الله عزّ وجلّ أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد برّ (٢) في ان نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمان.
قال حارثة : أنشدك بالله الذي دحاها (٣) وأشرق باسمه قمراها ، هل تجد فيما انزل الله عزّ وجلّ في الكتب السالفة ، يقول الله عزّ وجلّ : انا الله لا إله إِلاّ أنا ، ديّان يوم الدين أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريّتي وأرضي كالنّجوم الدّراري في سمائي ، يهدون بوحيي وامري ، من أطاعهم أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ، وانّي لعنت وملائكتي في سمائي وارضي واللاّعنون من خلقي من جحد ربوبيّتي أو عدل بي شيئا من بريّتي ، أو كذّب بأحد من أنبيائي ورسلي ـ أو قال : أوحي اليّ ولم يوح إليه شيء ـ أو غمص (٤) سلطاني أو تقمّصه (٥) متبريا ، أو أكمه عبادي وأضلّهم عنّي ، الا وانّما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي من خلقي ، فمن
__________________
(١) يعني المسيلمة.
(٢) برّ : أحسن.
(٣) اى دحى الأرض.
(٤) غمص : احتقر ونقص.
(٥) أي لبسه قميصا يعني ادعاه بالباطل.