لم يقصد اليّ من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته منّي الاّ بعدا.
قال العاقب : رويدك (١) فاشهد لقد نبّأت حقا ، قال حارثة : فما دون الحقّ من مقنع وما بعده لامرئ مفزع ، ولذلك قلت الذي قلت ، فاعترضه السيد وكان ذا محال (٢) وجدال شديد ، فقال : ما أحرى (٣) وما أرى أخا قريش (٤) مرسلا الاّ إلى قومه بني إسماعيل دينه ، وهو مع ذلك يزعم ان الله عزّ وجلّ أرسله إلى النّاس جميعا.
قال حارثة : أفتعلم أنت يا أبا قرّة انّ محمّدا مرسل من ربّه إلى قومه خاصّة؟ قال : أجل ، قال : أتشهد له بذلك؟ قال : ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد ، نعم اشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف الدّارسة والإنباء الخالية.
فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبّابته ، قال السيد : ما يضحكك يا بن أثال؟ قال : عجبت فضحكت ، قال : أوعجب ما تسمع؟ قال : نعم العجب أجمع ، أليس بالإله بعجيب من رجل أوتي أثره من علم وحكمة ، يزعم ان الله عزّ وجلّ اصطفى لنبوّته واختصّ برسالته وأيّد بروحه وحكمته رجلا خرّاصا يكذب عليه ويقول : أوحى اليّ ولم يوح إليه ، فيخلّط كالكاهن كذبا بصدق وباطلا بحقّ.
فارتدع السيد وعلم انّه قد وهل (٥) فأمسك محجوجا ، قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثا (٦) ، فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيّد من قوله ، فقال له : عليك (٧) أخا بني قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستحمّ (٨) لنا من مثابة سفهك ، فربّ كلمة « يرفع صاحبها بها رأسا ، قد ألقته في قعر مظلمة ، وربّ كلمة لامت (٩)
__________________
(١) رويدك : أمهل.
(٢) المحال الكيد والمكر.
(٣) الأحرى : الأولى والأجدر.
(٤) أي محمد صلىاللهعليهوآله.
(٥) وهل : فزع.
(٦) حثيثا : غريبا ـ كذا في هامش الأصل.
(٧) أي أمسك.
(٨) حمّ البئر والبيت : كبسها.
(٩) لامت : أصلحت.