قال حارثة : أجل والله أجدها ، والله أكبر وأبعد ممّا بين السحاب والتّراب ، وهي الأسباب الّتي بها وبمثلها تثبت حجّة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه ، وامّا صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما أخبركم به سفرائكم وغيركم والمنتجعة (١) منكم أرضه ومن قدم من أهل اليمامة عليكم ، ألم يخبركم جميعا عن روّاد (٢) مسيلمة وسمّاعية ، ومن أوفده (٣) صاحبهم (٤) إلى أحمد بيثرب ، فعادوا إليه جميعا بما تعرّفوا هناك في بني قيلة (٥) وتبيّنوا به ، قالوا : قدم علينا أحمد يثرب وبئارنا ثماد (٦) ومياهنا ملحة ، وكنّا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب ، فبصق في بعضها ومجّ (٧) في بعض ، فعادت عذابا محلوليّة وجاش (٨) منها ما كان ماؤها ثمادا فحار (٩) بحرا.
قالوا : وتفل محمّد في عيون رجال ذوي رمد وعلى كلوم (١٠) رجال ذوي جراح ، فبرأت لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحاتهم فما ألموها في كثير ممّا أدوا ، ونبّئوا عن محمد صلىاللهعليهوآله من دلالة وآية ، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك ، فأنعم لهم كارها وأقبل بهم إلى بعض بئارهم فمجّ فيها وكانت الركي معذوبة ، فصارت ملحا لا يستطاع شرابه ، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا (١١) فعادت فلم تبضّ بقطرة من ماء ، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت ، وعلى جراح ـ أو قالوا : جراح آخر ـ فاكتسى جلده برصا.
فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا في ذلك منه واستبرءوه ، فقال : ويحكم بئس الأمّة أنتم
__________________
(١) النجعة : طلب الكلام في موضعه ، يقال : انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفا.
(٢) الروّاد : الجواسيس.
(٣) أوفده : أرسله.
(٤) أي مسيلمة.
(٥) أي الأنصار.
(٦) الثماد : الماء لا مادة له.
(٧) مجّ من فمه : رمى به.
(٨) جاش الوادي : كثر ماؤه.
(٩) حار المكان بالماء : امتلأ.
(١٠) الكلوم : الجراحات.
(١١) وشلا : قليل الماء.