الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة » (١).
والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.
أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :
أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثه صلىاللهعليهوآله إلى اليمن قال : « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد في كتاب الله »؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : « فإن لم تجد في سنّة رسول الله ، ولا في كتاب الله »؟ قال : أجتهد رأيي ... ، قال : فضرب رسول الله صلىاللهعليهوآله صدره ، وقال : « الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله » (٢).
وتقريبه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.
ويردّ على الاستدلال بالرواية :
١ ـ إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.
٢ ـ إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :
أ ـ إنّ إقرار النبيّ صلىاللهعليهوآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّ صلىاللهعليهوآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.
__________________
١ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٨.
٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٦٠ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١١٤ ، مسند أبي داود : ٧٦.