وقال أحمد في مسنده : حدّثنا زيد بن الحباب ، حدّثني أُسامة بن زيد ، حدّثني نافع عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا رجع من أُحد ، فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قُتل من أزواجهن ، قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ولكن حمزة لا بواكي له » ، قال : ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين ، قال : « فهن اليوم إذاً يبكين يندبن بحمزة » (٢).
وقد بيّن الحاكم في مستدركه الأمر الأخير بقوله : « وهو أشهر حديث بالمدينة ، فإنّ نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتّى يندبن حمزة ، وإلى يومنا هذا » (٣).
ولعلّك تلاحظ في هذه الرواية أنّها لا تدلّ على جواز البكاء على الميّت وندبه فحسب ، بل إنّها تدلّ على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.
وقد ورد في المروي عن طريق أُسامة بن زيد الليثي زيادة تدلّ بظاهرها على نسخ الجواز ، وهي زيادة : « مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم » (٣).
قال الشوكاني : « ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلاّ أُسامة بن زيد الليثي ، ففيه مقال » (٤).
ولك حتّى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنّه رفض كونها ناسخة ، كما صرّح بذلك ابن القيّم في كتابه عدّة الصابرين قال : « وأمّا دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصحّ ، إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أُحد ، ويدلّ على ذلك أنّ نصوص الإباحة أكثرها متأخّرة عن غزوة أُحد ، منها حديث أبي هريرة ، إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ،
__________________
١ ـ مسند أحمد ٢ / ٤٠.
٢ ـ المستدرك ١ / ٣٨١.
٣ ـ مسند أحمد ٢ / ٨٤.
٤ ـ نيل الأوطار ٤ / ٢٥٣.