أو الحمل على إيجاده ، وهي بهذا المعنى تستلزم إرادة اخرى وهي تصوّر ما يكون غاية للفعل ، ويعبّر عن المجموع المركّب بـ « الدّاعي » وكأنّ الأوّل منه بمنزلة الجنس حيث لا ينفكّ عن شيء من الأفعال الاختياريّة ، والثاني منه بمنزلة الفصل ولذا يقبل التبادل ويعرضه التناوب ويختلف باختلاف الغايات والأغراض ، وهو الّذي يختلف بتبادل أفراده العنوانات فيندرج الفعل تارة فيما لا حرج فيه واخرى في خلافه ، كاتّخاذ العنب لغرض التخليل أو التخمير ، وبه يمتاز عمل المخلصين عن عمل المشركين فيتفرّد المرائي عن غيره ، فإنّ الغاية المتصوّرة إن كانت تحصيل الامتثال أو إدراك المثوبات أو الفرار عن العقوبات كان خلوصا ، وإن كانت إعلام الغير أو غيره من الأغراض الدنيويّة كان رياء وشركا ، ولمّا كان ذلك يتعدّد على سبيل البدليّة كان اشتراط بعضها في امتثال الواجبات على جهة التعيين يحتاج إلى دليل ، بخلاف الأوّل لانحصاره في الفرد وكونه بعينه لازما لكلّ فعل وجوديّ.
ولذا صار المحقّق عندنا ـ فيما يأتي تحقيقه ـ من كون الأصل في الواجبات التوصّليّة ، وعدم اشتراط الامتثال بها بقصد الإخلاص إلاّ ما أخرجه الدليل ، مع اشتراط قصد أصل الفعل الموجب لعدم كون الصادر عن الغافل والنائم ونحوهما امتثالا.
الثانية : أنّ الفعل الاختياري ـ ولو بالواسطة ـ لابدّ فيه من المباشرة ، وهي قد تتحقّق ممّن ظهر له صفة الفعل سواء كانت عائدة إليه أو إلى غيره.
وقد تتحقّق من غيره مع عود الصفة إليه أو إلى من ظهرت له ، فهي على كلا التقديرين لابدّ فيها من حامل ، وهو في الأوّل منحصر في ظهور الصفة المذكورة المتضمّن لتصوّر أصل الفعل وتصوّر تلك الصفة كما في مباشرة الإنسان بالأكل والشرب والنوم وغيره من أفعاله الاختياريّة ولو بالواسطة ، وفي الثاني امور تختلف باختلاف المقامات ، ففي مقام التكليف وإن كان الحامل ما تقدّم في المقدّمة الثالثة (١) ممّا عبّرنا عنه بـ « الداعي » إلاّ أنّ إيجاد هذا الداعي أيضا لابدّ فيه من حامل عليه وهو من ظهر له صفة الفعل ، فإنّه بطلبه تحمل المكلّف على إيجاد « الداعي » المستلزم لإيجاد الفعل ، فيكون حاملا له على إيجاد الفعل بالواسطة ، كما أنّه في إيجاد الطلب لابدّ له من حامل وهو ظهور صفة الفعل المتضمّن لتصوّرين ، فقد تقرّر ممّا ذكر أنّ هذا الحامل قد يدعو الإنسان إلى مباشرته بالفعل بنفسه كما في القسم الأوّل ، وقد يدعوه إلى حمل الغير على المباشرة كما في القسم الثاني ، وفي غير مقام
__________________
(١) الصواب : المقدّمة الاولى ، لأنّ بيان مفهوم « الداعي » قد تقدّم في ضمن المعنى الثالث من معاني الإرادة في تلك المقدّمة.