المفاد ، لعدم كون المطلوب فيهما حدثا بهذا المعنى ، والضابط في الكلّ دخولا وخروجا إنّما هو صحّة السلب وعدمها ، الكاشفين عن الصدق العرفي وعدمه.
وهل يعتبر فيه كونه مستفادا من القول أو أعمّ منه وممّا يستفاد من الفعل؟ وجهان بل قولان ، اختار أوّلهما العلاّمة في التهذيب والنهاية ، فلذا عرّفه فيهما بأنّه : « طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء » وإلى ذلك ينظر ما عن إمام الحرمين في بعض تصانيفه من تحديده : « بأنّه استدعاء الفعل بالقول عمّن دونه على سبيل الوجوب » وعلّله في المنية بكونه احترازا عن طلب الفعل بالإشارة ونحوها كالكتابة فإنّه لا يسمى « أمرا » إذ « الأمر » نوع من أنواع الكلام ، ولا يخفى ما في هذا التعليل من الفساد المتقدّم ذكره.
وصار إلى ثانيهما جمع من متأخّري الأعلام ، منهم ابن عمّنا السيّد (١) قدّس الله روحه ، وإلى ذلك ينظر ما تقدّم عن بعض الأشاعرة والآمدي والحاجبي ، وعلّله السيّد في ضوابطه : بأنّ المتبادر عند الإطلاق وإن كان هو الأوّل ، ولكنّه إطلاقيّ لعدم صحّة السلب عن طلب الأخرس بالإشارة أو بالكتابة ، على أنّه لو كان منحصرا في القول لزم عدم كونه تعالى آمرا على مذهب الأشاعرة لقولهم بالكلام النفسي له تعالى لا اللفظي والحال أنّهم يقولون بأنّه تعالى آمر.
وفي الوجه الأخير ما لا يخفى ، من أنّ الملازمة إذا كانت مستندة إلى مدرك فاسد لا توجب المطلوب ، لأنّ وجود ما يفسد بفساد مدركه بمنزلة عدمه ، فلا ملازمة في البين.
وتحقيق المقام : أنّ ما يحصل بالإشارة والكتابة وغيرها من المواضعة من الطلب الإيجابي إذا اشتمل على سائر القيود لا إشكال في صدق « الأمر » عليه عرفا ، وعدم صحّة سلب الاسم عنه ، ولا سلب سائر مشتقّاته عمّن يوجب بها ، وإنّما الإشكال في أنّ دلالة هذه الأشياء على « الأمر » هل هي لقيامها مقام القول فيراد به ما يعمّ التحقيقي والتقديري ، أو لكونهما في الطرف المقابل من القول فيراد به التحقيقي خاصّة؟ وجهان ، أقربهما الأوّل من أنّه يقصد بوضعها القول ، كما يشهد به الوجدان ، نظرا إلى أنّ الذهن إنّما ينتقل إلى ما يستفاد منها بعد الانتقال إلى القول المخصوص الّذي يحلّ محالّها عند انتفاء موجباتها ، كما لا يخفى على من تأمّل في موارد وضعها جيّدا.
فقضيّة ذلك شمول القول لها في كلام من اعتبره في التحديد ، لأنّه قد يكون مقدّرا يكشف عنه المواضعة بشيء ممّا ذكر ، فلا وجه لما أشرنا إليه عن المنية من حكاية الاحتراز به
__________________
(١) وهو السيّد إبراهيم القزويني صاحب ضوابط الأصول ( المتوفى ١٢٦٢ ه ق ).