في بعض منها قد تقدّم في المباحث السابقة وفي البعض الآخر سيأتي في المباحث اللاحقة.
المبحث الثالث (١)
فيما يتعلّق بالكلمة الثالثة من أجزاء القضيّة
وهو الجزء الأخير الّذي وقع خبرا للمبتدأ ، محمولا لموضوع القضيّة ، أعني قولنا : « واجبة » وليس في ذلك بعد ما تقرّر من المسائل المتقدّمة المتعلّقة بالواجب كلام إلاّ ما يرجع إلى تشخيص موضع النزاع من معنى الوجوب والواجب.
فللوجوب معان يطلق عليها في هذا المقام لابدّ من معرفتها لتوقّف معرفة موضع النزاع عليها ، وسيأتي ذكرها. والإشارة إلى ما هو موضع النزاع منها.
وأمّا الواجب فقد عرفت أنّ له أقساما حاصلة عن تقسيمات كثيرة ، ولكن موضع النزاع هنا يحرّر بالنسبة إلى أربع من تقسيماته ، وهي تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، وإلى التعبّدي والتوصّلي ، وإلى النفسي والغيري ، وإلى الأصلي والتبعي.
فأمّا بالنسبة إلى الأوّل منها وهو انقسامه إلى المطلق والمشروط ، فالحقّ أنّ محلّ النزاع هنا أعمّ من القسمين إذ معنى قولنا : « مقدّمة الواجب هل هي واجبة أولا؟ » أنّ المقدّمة هل لها وجوب من نحو وجوب ذيها ـ مطلقا كان أو مشروطا ـ أو لا؟ فالواجب إن كان مطلقا يكون [ النزاع ] في وجوب مقدّمته المطلق ، وإن كان مشروطا يكون النزاع في وجوب مقدّمته المشروط ، فعلى هذا كما أنّ الحجّ واجب مشروط فكذلك مقدّمته الّتي هي عبارة عن طيّ المسافة ونحوه ـ على القول بوجوبها ـ واجبة مشروطة ، وسيأتي زيادة بحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني وهو انقسامه إلى التعبّدي والتوصّلي فالنزاع إنّما هو في الوجوب التوصّلي ، فإنّ الواجب التوصّلي ـ على ما سبق شرحه ـ هو الّذي أمر به لأجل حصوله في الخارج ، والمقدّمة لمّا كانت بحيث يصير المكلّف بحصولها في الخارج أقرب إلى الإتيان بالمأمور به فصارت واجبة على القول به لأجل ذلك ، ولا ينافيه طروّ جهة التعبّد لها في بعض الأحيان بدليل خارجي كما في الطهارات الثلاث بالنظر إلى الصلاة ، لأنّ ذلك زيادة أثبتها الشارع لخصوصيّة فيها.
__________________
(١) تقدّم المبحث الثاني في ص ٣٨١.