على أنّ المجوّزين يجوّزون الجمع في المجاز البياني أيضا ، أو انّ فيهم من يجوّزه أيضا.
فكيف يدّعى الاتّفاق أو الضرورة في خلافه ، وأمّا دعوى على الجواز في المعنى الكنائي فلئن سلّمناه من علماء البيان فلا نسلّمه من علماء الاصول خصوصا ، مع ملاحظة أنّ التشاجر واقع بينهم في المجاز بقول مطلق ، وأنّ الكناية عندهم نوع من المجاز.
الأمر الثاني : في بيان صحّة ما في كلام جماعة ـ منهم السيّد المتقدّم ذكره والفاضل المحشّي ـ وسقمه من أنّ المجاز الاصولي أعمّ منه باصطلاح البياني ، فإنّ الكناية مندرجة في المجاز وقسم منه عند الاصوليّين ، بدليل أنّهم لم يعتبروا لزوم القرينة المانعة في تعريفه ، وقسيم له عند علماء البيان ولذا أخذوا القيد المذكور في تعريفه ، احترازا عن الكناية الّتي أخذوا فيها جواز إرادة الملزوم والمعنى مع اللازم وغير ما وضع له.
قال السيّد المذكور قدسسره : والسرّ في اختلاف الاصطلاحين اختلاف المقاصد والأغراض في العلمين ، فإنّ علم البيان لمّا كان باحثا عن الألفاظ من حيث إنّها طرق مختلفه للتعبير عن المعنى الواحد ، وكان التعبير عن المعنى بطريق الكناية طريقا معروفا متميّزا عن غيره بأقسام وأحكام كثيرة كان المناسب جعله أصلا برأسه مستقلاّ بنفسه ، وتعميم حدّ المجاز مع ذلك يوجب تداخل أبحاث الفنّ وهو غير مستحسن ، فلذا جعلوه قسيما للكناية مبائنا لها ، وزادوا في حدّه ما يميّزه عنها.
وأمّا علم الاصول فإنّما يبحث عن الألفاظ فيه من الوجه الّذي يبتنى عليه جمل الخطاب الشرعي ، أي من حيث إنّه في أيّ مقام يصلح للحمل على ما وضع له ، وفي أيّ مقام يحمل على غيره ، والمناسب لهذا الغرض هو البحث عنها من حيث إنّها تستقلّ بالإفادة والتفهيم لأجل أو لا تستقلّ لانتفائه بل يحتاج إلى القرينة ، ومرجعه إلى البحث عن الحقيقة والمجاز بالمعنى الأعمّ من الكناية والمجاز بالمعنى الأخصّ.