له ، وقضيّة ذلك كون المعنى الفعلي كالمعنى الحرفي غير مستقلّ بالمفهوميّة ، ويشكل ذلك بمنافاته لما أخذه النحاة في حدّ الفعل من الدلالة على معنى مستقلّ بالمفهوميّة مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، قبالا في الأوّل للحرف لدلالته على معنى غير مستقلّ ، وفي الثاني للاسم لدلالته على معنى مستقلّ غير مقترن ، فبطل بذلك الفرق بين الفعل والحرف.
ويمكن الذبّ عن الإشكال على مذاق النحويين ، بأنّهم لا يعتبرون في الفعل هيئة ومادة بحيث كانت كلّ منهما منفردة بالوضع ، بل يجعلون المجموع كلمة واحدة بملاحظة أنّ الكلمة عندهم عبارة عن مجموع الهيئة والمادة ، ثمّ يجعلون الفعل بهذا الاعتبار دالاّ على الحدث والزمان والنسبة إلى فاعل مّا ، وعليه فالفعل باعتبار دخول الحدث والزمان في مدلوله صحّ تعريفه بالدلالة على معنى مستقلّ مقترن بالزمان ، وإن دخل معه النسبة إلى فاعل مّا أيضا ، فإنّه لا ينافي دلالته على معنى مستقلّ بخلاف الحرف ، فإنّه لا دلالة فيه على معنى مستقلّ أصلا وهذا هو وجه الفرق بينهما.
وأمّا على مذاق الاصوليّين فالوجه في دفعه : هو منع دخول النسبة إلى فاعل مّا في وضع هيئات الأفعال ، ولا في وضع موادّها ، بل هي باعتبار موادّها تفيد الحدث وباعتبار هيئاتها تفيد الزمان ، ويلزم من الجمع بينهما اقتران الحدث بالزمان.
نعم لمّا كان وقوع الحدث في الزمان لا بدّ له من فاعل يوقعه فيه ، فالدلالة على النسبة إلى فاعل مّا تحصل فيه بهذا الاعتبار التزاما باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ ، وهذا هو المستفاد من كلام أكثر الاصوليّين ، ولم يظهر من النحاة خلاف ذلك أيضا ، بل كلماتهم بين ظاهرة وصريحة فيه ، ومن الصريحة كلام الأزهري في التصريح عند تعريفه لاسم الفاعل : « بالدلالة على الحدث وحدوثه وفاعله » واحترز بالقيد الأخير عن الفعل ، تعليلا بأنّ الفعل إنّما يدلّ على الحدث والزمان بالوضع ، لا على الفاعل وإن دلّ عليه بالالتزام. انتهى.