وبالجملة ، الكلّي إن أمكن ملاحظته في نفسه فلا حاجة فيه إلى توسيط الجزئي في الملاحظة ليقع عنوانا والة للملاحظة ، والعدول عن ملاحظته في نفسه إلى ملاحظته في ضمن ملاحظة الجزئي ربّما لا يلائم حكمة الواضع الحكيم ، ولا ينتقض ذلك بعكس هذه الصورة ، كما في القسم الثالث لأنّ بملاحظة الكلّي تحصل تصوّر الجزئيّات إجمالا وهو كاف في الوضع ، ويتعيّن الاكتفاء به عن تصوّرها تفصيلا لتعذّره أو تعسّره أو خروجا عن حزازة اللغويّة.
وإن لم يمكن ملاحظته في نفسه ، بأن ينحصر طريق ملاحظته في الجزئي ، كما هو المقصود من جعله عنوانا ، فلا يحصل ملاحظته بملاحظة الجزئي ، لعدم إمكان الفرق بين ذاتيّاته وعرضيّاته بمجرّد ملاحظته.
وبما قرّرناه يندفع ما عساه يقال : من أنّ ما ذكرته في وجه الاستحالة إنّما يتمّ على تقدير واضعيّة البشر ، وأمّا على تقدير واضعيّة الواجب تعالى فلا ، لأنّه لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، فلا استحالة في جعل الجزئي عنوانا للكلّي في حقّه تعالى ، بحيث يلزم من ملاحظته تعالى للجزئي تصوّره ، فإنّ الكلّي في نفسه أيضا ممّا لا يعزب عن علمه ، فإحاطة علمه تعالى به ممّا يغني عن جعل الجزئي الة لملاحظته ، فليتدبّر لئلاّ يختلط الأمر.
وكيف كان ، فهذا المقام ممّا لا جدوى في التعرّض لتحقيقه ، فالأولى صرف زمام الكلام إلى موضع الخلاف وهو القسم الثالث ، فالقدماء من أهل العربيّة والاصول أنكروا ثبوت ذلك أيضا ، خلافا لأكثر المتأخّرين فأثبتوه في الضمائر والموصولات وأسماء الإشارة والحروف بأسرها ، والأفعال الناقصة بل التامّة باعتبار النسبة الفاعليّة أو الطلبيّة ، والمشتقّات الاسميّة بأجمعها عند جماعة منهم.
وقد ذكر سيّد الأفاضل ضابطا كلّيا يندرج فيه جميع هذه المذكورات وغيرها ممّا لم يذكر إن كان ، وهو كلّ مستعمل في غير منحصر لأمر مشترك لم يستعمل فيه فقالوا : بأنّ الوضع فيها عامّ والموضوع له خاصّ ، على معنى أنّ الواضع لاحظ كلّي المفرد المذكّر الغائب المتقدّم ذكره ، وكلّي من يحكي عن نفسه ، وكلّي المفرد